لا أظلمُ البينَ حالي كالذي كانا
سِيّانِ إنْ غاب من أهوى وإن دانا
ما زادني القرب عما كنتُ أعرفه
إلا أسى وتَباريحا وأشجانا
والبعد أهونُ من قربٍ يُجدِّد لي
معْ ما أُكابده صدا وهجرانا
مللتمُ وادعيتم أنّ ذاك لكم
طبعا صدقتُم فمَلُّوا هجريَ الآنا
والله ما حُلْتمُ عن عادةٍ عُرِفت
منكم ولكنه صبري الذي خانا
بَقُّوا من الصبر عندي ما أصون به
سرَّ الغرام وإلا صار إعلانا
مالي بُليت بقاسٍ مُعجَب صَلِف
يرضى إذا بِتُّ بالهجران غضبانا
لولا تَعلُّقُ عينيه لما تركتْ
أخلاقُه بالقِلى والصد إنسانا
يا مُسقِمِى بجفونٍ تَدَّعى سَقَما
لا أَدَّعى مثَلها زُورا وبهتانا
بي مابخصرِك من سُقْمٍ وموجِبهُ
صَدٌّ كرِدفك تعنيفا وعدوانا
قصدتَ ظلمي بلا ذنبٍ كما ظَلمت
كَفّاك ثغرَك بالمِسواك أحيانا
يا أوحدَ الناسِ في خَلْقٍ وفي خُلُق
هَلاّ أضفتَ لذاك الحسنِ إحسانا
بلِ الكمالُ لَعمري رتبةٌ بَعُدتْ
فلم يَنْلها امروٌّ إلا ابنَ عثمانا
شيخُ الرياسة كهل المكرمات فتى ال
إحسان تِرْب العَطايا كن كما كانا
إذا دعوتُ تُلبِّيني عَزائمه
كما دعا المرءُ آباء وإخوانا
كم رام مدحى مكافاةً لنائله
فينثنِى عنه للتقصيرِ خجلانا
يا من حُسِدتُ على أُولى عَزائمِه
جَدِّدْ علي حاسِدي أمرِي فقد خَانا
أنت الغمامُ وروضى زاهر فإذا
أَغبَّه فكنْ باب سَعْدِي عند مولانا
فإن أصِل فهْي عاداتٌ عُرِفت بها
أو لا فلم تبقِ للإِحسان إمكانا
سارت فضائُله في الْخَلْقِ واشتهرتْ
فكلُّ قلبٍ حَوَى منهن ديوانا
عجزتُ عنها وعن وصفِى ولو ظَهرتْ
فيما مضى أعجزتْ قُسا وسَحْبانا
ذو همةٍ ساعدتْها نخوةٌ عَظُمت
لو أنها ماءُ بحرٍ كان طوفانا
تُعطِي فتَحِقر ما تعطي ولو وهبتْ
كقَدْرِها وهبتْ أضعافَ دُنيانا
لا يلبث الفقرُ في أرضٍ وراحُته
مما يجود فيغني الإنس والجانا
يُفرِّق المالَ في جمعِ الثناء له
جودٌ ويَعْتَدُّ جمعَ المالِ حرمانا
فما حَوتْ كفُّه عينا ولا عَرَضا
إلا ليجعله للحمد أثمانا
له على كلِّ حُرٍّ مِنَّةٌ كَتبت
في وجهه لجميل الذِّكْرِ عنوانا
هذا على أنه يُخفِي صَنائعَه
فينا ويأبَى لما أَخْفاه إعلانا
تخالُ في كل نادٍ من مَدائحه
راحا تَرَقْرَق في النادي وريحانا
يُدبرها فيهم الراوي فيُطربهم
حتى يَظلَّ الحليمُ اللُّبّ نشوانا
أتيتُه وصروفُ الدهرِ تَعْرِقني
عَضّاً وأَحسبُها أُسْدا وغِيلانا
فكَفَّ كَفَّ عوادِيها وأَمَّنَنى
منها وصَيَّرَ لي في ظله شانا