رضيت من عين ذاك الحي بالأثر

التفعيلة : البحر البسيط

رضيتُ من عينِ ذاك الحَيِّ بالأثَرِ

حتى رَضيتُ بسَمْع الذِّكرِ والخَبَرِ

وهامَ قلبي بما يَحْويهِ مُنشغِفاً

حتى بما فيهِ من تُرْبٍ ومن حَجَرِ

أستقبِلُ الرِّيحَ من واديهِ مُعتنِقاً

كأنَّها لي صَديقٌ جاءَ من سَفَرِ

ويُؤْنِسُ البرقُ عيني إذْ يَلوحُ لها

منَ الكثيبِ فتجني لَذَّةَ النَّظَرِ

يا حَبَّذا أرضُ عُسفانَ التي شَرَقَتْ

بالبيضِ والسُّمْرِ بينَ البيضِ والسُّمُرِ

وحَبَّذا القُبَّةُ الزَّرقاءُ من فَلَكٍ

فإنَّها اشتَمَلَتْ ليلاً على القَمَرِ

رَبيبةٌ في بُرُودِ البَدْوِ طالعةٌ

تُغنِي مَحاسِنُها عن زِينةِ الحَضَرِ

تَرنُو بطَرْفٍ غَضيضِ الجَفْنِ مُنكسرٍ

فلا نَراها بقلبٍ غيرِ مُنكسِرِ

بِتنا على خَطَرٍ من سُخطِها ولَقد

تأتي السَلامةُ أحياناً منَ الخَطَرِ

إذا تَكَدَّرَ ماءُ النِّيلِ مُضطرِباً

فإنَّ صفوَ الوَرَى في ذلكَ الكَدَرِ

وفي زِيارةِ مِصرٍ لو ظَفِرتُ بها

مَشَقَّةٌ تُعقِبُ الأتعابَ بالظَفَرِ

مَن لي بِزَورةِ هاتيكَ الدِّيارِ لكي

أقضِي الحُقوقَ التي يُقضَى بها وَطَري

مَوَدَّةٌ بَيننا بالأمسِ قد غُرِسَت

واليومَ طالَبتُ ذاكَ الغَرْسَ بالثَّمَرِ

عليَّ حَقٌّ لمن يُغضِي بمنَّتِهِ

عن القُصُورِ ويعفو عَفْوَ مُقْتَدِرِ

الطَّاهرُ القلبِ لا عيبٌ يُدنِّسُهُ

والرَّاشدُ السَّعَيِ عِندَ اللهِ والبَشَرِ

إذا استطاعتْ يداهُ في الوَرَى ضَرَراً

فإنَّ في قلبه عَجْزاً عنِ الضَّرَرِ

وحَيثُ لا يَتَّقِي في النَّاسِ من حَذَرٍ

يكونُ من رَبِّهِ في غايةِ الحَذَرِ

إن كُنتُ قَصَّرْتُ في مَدحي لهُ سَلَفاً

فالقَطْرُ يأتي قليلاً أوَّلَ المَطَرِ

ورُبَّ مُختَصَرٍ في اللَّفظِ نَحسَبُهُ

مُطوَّلاً في المعاني غيرَ مُختصَرِ

نالَ الإمارةَ من لاقَتْ بمَنصِبهِ

من دولةٍ نَقَدَتْهُ نَقْدَ مُختبِرِ

قد أعطَتِ القوسَ باريها على ثِقَةٍ

لكنَّها غيرُ ذاتِ السَّهمِ والوتَرِ

قُلْ للكريمِ الذي سادَ الكِرامَ لَقْد

أسرَفْتَ إذ لم تَدَعْ فخراً لمُفتخِرِ

ما زِلتَ تَرقَى إلى أنْ نِلتَ منزِلةً

تُعَدُّ من طَبَقاتِ الأنجُم الزُّهِرِ

يا عُمدةَ الدَولةِ العُظمَى التِّي بعَثَتْ

إلى المشارقِ منها كوكبَ السَّحَرِ

قد ناظرَتْكَ على قَصدٍ مراتِبَها

فهُنَّ يَكبُرْنَ مَهْما ازدَدْتَ في الكِبَرِ

هذِهْ هيَ الدَولةُ الغَرَّاءُ نَنظُرُها

ما طال تأريخُها جاءَتكَ بالغُرَرِ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

لو كان للدار نطق سبحت عجبا

المنشور التالي

يا أيها السفح ماذا يصنع البان

اقرأ أيضاً