حِيَلُ البَلى تَأتي عَلى المُحتالِ
وَمساكِنُ الدُنيا فَهُنَّ بَوالِ
شُغِلَ الأُلى كَنَزوا الكُنوزَ عَنِ التُقى
وَسَهوا بِباطِلِهِم عَنِ الآجالِ
سَلِّم عَلى الدُنيا سَلامَ مُوَدِّعٍ
وَاِرحَل فَقَد نوديتَ بِالتَرحالِ
ما أَنتِ يا دُنيا بِدارِ إِقامَةٍ
ما زِلتِ يا دُنيا كَفيءِ ظِلالِ
وَحُفِفتِ يا دُنيا بِكُلِّ بَلِيَّةٍ
وَمُزِجتِ يا دُنيا بِكُلِّ وَبالِ
قَد كُنتِ يا دُنيا مَلَكتِ مَقادَتي
فَقَرَيتِني بِوَساوِسٍ وَخَبالِ
حَوَّلتِ يا دُنيا جَمالَ شَبيبَتي
قُبحاً فَماتَ بِذاكَ نورُ جَمالي
غَرَسَ التَخَلُّصُ مِنكِ بَينَ جَوانِحي
شَجَرَ القَناعَةِ وَالقَناعَةُ مالي
الآنَ أَبصَرتُ الضَلالَةَ وَالهُدى
وَالآنَ فيكِ قَبِلتُ مِن عُذّالي
وَطَويتُ عَنكَ ذُيولَ بُردَي صَبوَتي
وَقَطَعتُ حَبلَكِ مِن وِصالِ حِبالي
وَفَهِمتُ مِن نُوَبِ الزَمانِ عِظاتِها
وَفَطِنتُ لِلأَيّامِ وَالأَحوالِ
وَمَلَكتُ قَودَ عِنانِ نَفسي بِالهُدى
وَطَوَيتُ عَن تَبَعِ الهَوى أَذيالي
وَتَناوَلَت فِكَري عَجائِبُ جَمَّةٌ
بِتَصَرُّفي في الحالِ بَعدَ الحالِ
لَمّا حَصَلتُ عَلى القَناعَةِ لَم أَزَل
مَلِكاً يَرى الإِكثارَ كَالإِقلالِ
إِنَّ القَناعَةَ بِالكَفافِ هِيَ الغِنى
وَالفَقرُ عَينُ الفَقرِ في الأَموالِ
مَن لَم يَكُن في اللَهِ يَمنَحُكَ الهَوى
مَزَجَ الهَوى بِمَلالَةٍ وَثِقالِ
وَإِذا اِبنُ آدَمَ نالَ رِفعَةَ مَنزِلٍ
قُرِنَ اِبنُ آدَمَ عِندَها بِسِفالِ
وَإِذا الفَتى حَجَبَ الهَوى عَن عَقلِهِ
رَشُدَ الفَتى وَصَفا مِنَ الأَوجالِ
وَإِذا الفَتى خَبَطَ الأُمورَ تَعَسُّفاً
حَمِدَ الهَرامَ وَذَمَّ كُلَّ حَلالِ
وَإِذا الفَتى لَزِمَ التَلَوُّنَ لَم تَجِد
أَبَداً لَهُ في الوَصلِ طَعمَ وِصالِ
وَإِذا تَوازَنَتِ الأُمورُ لِفَضلِها
فَالدينُ مِنها أَرجَحُ المِثقالِ
أَمسَت رِياضُ هُداكَ مِنكَ خَوالِياً
وَرِياضُ غَيِّكَ مِنكَ غَيرُ خَوالِ
قَيِّد عَنِ الدُنيا هَواكَ بِسَلوَةٍ
وَاِقمَع نَشاطَكَ في الهَوى بِنَكالِ
وَبِحَسبِ عَقلِكَ بِالزَمانِ مُؤَدَّباً
وَبِحَسبِهِ بِتَقَلُّبِ الأَحوالِ
بَرِّد بِيَأسِكَ عَنكَ حَرَّ مَطامِعٍ
قَدَحَت بِعَقلِكَ أَثقَبَ الأَشعالِ
قاتِل هَواكَ إِذا دَعاكَ لِفِتنَةٍ
قاتِل هَواكَ هُناكَ كُلَّ قِتالِ
إِن لَم تَكُن بَطَلاً إِذا حَمِيَ الوَغى
فَاِحذَر عَلَيكَ مَواقِفَ الأَبطالِ
اِحزُن لِسانَكَ بِالسُكوتِ عَنِ الخَنا
وَاِحذَر عَلَيكَ عَواقِبَ الأَقوالِ
وَإِذا عَقَلتَ هَواكَ عَن هَفَواتِهِ
أَطلَقتَهُ مِن خَينِ كُلِّ عِقالِ
وَإِذا سَكَنتَ إِلى الهُدى وَأَطَعتَهُ
أُلبِستَ حُلَّةَ صالِحِ الأَعمالِ
وَإِذا طَمِعتَ لَبِستَ ثَوبَ مَذَلَّةٍ
إِنَّ المَطامِعَ مَعدَنُ الإِذلالِ
وَإِذا سَبَحتَ إِلى الهَوى أَذيالَهُ
أَلقاكَ في قيلٍ عَلَيكَ وَقالِ
وَإِذا حَلَلتَ عَنِ اللِسانِ عِقالَهُ
أَلقاكَ في قيلٍ عَلَيكَ وَقالِ
وَإِذا ظَمِئتَ إِلى اِلتَقى أُسقيتَهُ
مِن مَشرَبٍ عَذبِ المَذاقِ زُلالِ
وَإِذا اِبتُليتَ بِبَذلِ وَجهِكَ سائِلاً
فَاِبذُلهُ لِلمُتَكَرِّمِ المِفضالِ
إِنَّ الكَريمَ إِذا حَباكَ بِوَعدِهِ
أَعطاكَهُ سَلِساً بَغَيرِ مِطالِ
ما اِعتاضَ باذِلُ وَجهِهِ بِلِسانِهِ
عِوَضاً وَلَو نالَ الغِنى بِسُؤالِ
وَإِذا السُؤالُ مَعَ النَوالِ قَرَنتَهُ
رَجَحَ السُؤالُ وَخَفَّ كُلُّ نَوالِ
عَجَباً عَجِبتُ لِموقِنٍ بِوَفاتِهِ
يَمشي التَبَختُرَ مِشيَةَ المُختالِ
رَجِّ العُقولَ الصافِياتِ فَإِنَّها
كَنزُ الكُنوزِ وَمَعدَنُ الإِفضالِ
صافِ الكِرامِ فَإِنَّهُم أَهلُ النُهى
وَاِحذَر عَلَيكَ مَوَدَّةَ الأَنذالِ
صِل قاطِعيكَ وَحارِميكَ وَأَعطِهِم
وَإِذا فَعَلتَ فَدُم بِذاكَ وَوالِ
وَالمَرءُ لَيسَ بِكامِلٍ في قَولِهِ
حَتّى يُزَيِّنَ قَولَهُ بِفِعالِ
وَلَرُبَّما ارتَفَعَ الوَضيعُ بِفِعلِهِ
وَلَرُبَّما سَفَلَ الرَفيعُ العالي
كَم عِبرَةٍ لِذَوي التَفَكُّرِ وَالنُهى
في ذا الزَمانِ وَذا الزَمانِ الخالي
كَم مِن ضَعيفِ العَقلِ زَيَّنَ عَقلَهُ
ما قَد رَعى وَوَعى مِنَ الأَمثالِ
كَم مِن رِجالٍ في العُيونِ وَما هُم
في العَقلِ إِن كَشَّفتَهُم بِرِجالِ