قَضَيْتُ أَدوارَ الحَيَاةِ مُفَكِّراً
في الكَائِناتِ مُعَذَّباً مَهْمُوما
فَوَجَدْتُ أَعراسَ الوُجُود مآتِماً
ووجدْتُ فِرْدَوْسَ الزَّمانِ جَحِيما
تدوي مَخَارِمُهُ بضَجَّةِ صَرْصَرٍ
مشبوبةٍ تَذَرُ الجِبالَ هَشِيما
وحَضَرْتُ مائدَةَ الحَيَاةِ فلمْ أَجِدْ
إلاَّ شراباً آجِناً مَسْمُوما
ونَفَضْتُ أَعماقَ الفَضَاءِ فلمْ أَجِدْ
إلاَّ سُكوناً مُتعَباً مَحْمُوما
تتبخَّرُ الأَعمارُ في جَنَباتِهِ
وتَمُوتُ أَشواقُ النُّفوسِ وُجُوما
ولَمَسْتُ أَوتارَ الدُّهُورِ فلمْ تُفِضْ
إلاَّ أَنيناً دامياً مَكْلُوما
يَتْلو أَقاصيصَ التَّعاسَةِ والأَسى
ويُصِيرُ أَفراحَ الحَيَاةِ هُمُوما
شُرِّدْتُ عن وَطَني الجميل أَنا الشَّقِ
يُّ فَعِشْتُ مَشْطورَ الفؤادِ يتيما
في غُربةٍ رُوحيَّةٍ مَلْعُونةٍ
أَشواقُها تَقْضي عِطاشاً هِيما
يا غُربَةَ الرُّوحِ المُفَكِّر إنَّهُ
في النَّاسِ يحيا سَائماً مَسْؤُوما
شُرِّدْتُ للدُّنيا وكُلٌّ تائهٌ
فيها يُرَوِّعُ راحلاً ومقيما
يدعو الحَيَاةَ فلا يُجيبُ سِوَى الرَّدى
ليدُسُّهُ تَحْتَ التُّرابِ رَميما
وتِظِلُّ سَائِرةً كأنَّ فقيدها
مَا كانَ يوماً صاحباً وحميما
يا أَيُّها السَّاري لقد طالَ السُّرى
حَتَّام تَرْقُبُ في الظَّلامِ نُجُوما
أَتَخَالُ في الوادي البعيدِ المرتَجَى
هيهاتَ لنْ تَلْقَى هناكَ مَرُوما
سرْ مَا اسْتَطَعْتَ فَسَوْفَ تُلفِي مثلما
خلَّفتَ مَمشُوقَ الغُصونِ حَطيما