هي المنى كثغور الغِيد تبتسم
إذا تطرّبها الصمامة الخَذِم
دع الأمانيّ أو رُمهنّ من ظُبةٍ
فإنما هنّ من غير الظبي حُلُم
والمجدَ لا تَبنِه إلا على أسس
من الحديد وإلاّ فهو منهدم
لو لم يكن السيف ربّ المُلك حارسه
ما قام يسعى على رأس له القلم
مَن سلَهُ في دجى الآمال كان له
فجراً تحُلّ حُباها دونه الظُلَم
والعلم أضَيع من بذر بمُسبخة
إن لم تُجَلِّله من نَوْء الطبى دِيَم
إن الحقيقة قالت لي وقد صدقت
لا ينفع العلم إلاّ فوقه عَلَم
والحق لا يُجتَنى إلا بذي شُطَب
ماء المنيّة في غربَيْه منسجم
إن أسمعت ألسن الأقلام ظالمها
بعضَ الصرير كمن يبكي وينظلم
فللحسام صليل يرتمي شرراً
مفتِّقاً إذن مَن في إذنه صمم
هب اليراعة ردء السيف تأزره
فهل على الناس غير السيف محتكم
فالعلم ما قارنَتْه البيض مفخرةٌ
والحق ما وازرته السمر محترم
وإنما العيش للأقوى فمن ضَعُفت
أركانه فهو في الثاوين مُختَرم
والعجز كالجهل في الأزمان قاطبةً
داءٌ تموت به أو تُمسخ الأمم
والمجد يأثل حيث البأس يدعَمُه
حتى إذا زال زال المجد والكرم
وإن شَأو المعالي ليس يُدركه
عزم تسَّرب في أثنائه السَأم
آهاً فآهاً على ما كان من شرف
لليعربيّين قد ألوى به القِدم
أيام كانوا وشمل المجد مجتمع
والشعب ملتئم والملك منتظم
كانوا أجلّ الورى عزاً ومقدرة
إذا الخطوب بحبل البَغي تحتزم
وأربط الناس جأشاً في مواقفة
من شدّة الرعب فيها ترجُف اللمم
قوم إذا فاجأتهم غُمّة بدروا
وأوْفزتهم إلى تكشيفها الهمم
على الحصافة قد ليثت عمائهم
وبالحّزامة شُدّت منهم الحُزُم
قضَوْا أعاريب أقحاحاً وأعقبهم
خَلْف هم اليوم لا عُرب ولا عجم
جار الزمان عليهم في تقلُّبه
حتى تبدّلت الأخلاق والشيَم
دبّ التباغض في أحشاهم مَرَضاً
به انْبَرَت أعظم منهم وجَفَّ دم
فأصبح الذُل يمشي بين أظهرهم
مشي الأمير وهم من حوله خدم
فأكثر القوم من ذلّ ومَسكَنة
تلقى الذباب على آنافهم يَنِم
كم قد نَحت لهم في اللوم قافية
من الحفيظة بالتقريع تحتدم
وكم نصحت فما أسمعت من أحد
حتى لقد جفّ لي ريق وكلّ فم
يا راكباً متن منطاد يطير به
كما يطير إذا ما أفزع الرَخَم
يمرّ فوق جناح الريح مخترقاً
عرض الفضاء ويَعدو وهو مُعتزِم
حتى إذا حطّ منقضّاً على بلد
ينقضّ والبلد الأقصى له أمَم
أبلغ بني وطني عنّي مُغَلغَلةً
في طيّها كلم في طيّها ضَرَم
ما بالهم لم يُفيقوا من عَمايتهم
وقد تبلّج أصباح المنى لهم
إلى متي يَخفرون المجدَ ذمّتَه
أليس للمجد في أنسابهم رَحِم
ومَن يعِش وهو مِضْياع لفُرصته
ذاق الشقاءَ وأدمى كفّه الندم
وكل من يدّعي في المجد سابقةً
وعاش غير مجيد فهو متهم