يرزت تميس كخطرة النشوان
هيفاء مخجلةً غصون البان
ومشت فخفّ بها الصبا فتمايلت
مرحاً فأجهد خصرها الردفان
جال الوشاح على معاطفها
التي قعدت وقام بصدرها النهدان
تستعبد الحرّ الأبيّ بمقلة
دبّ الفتور بجفنها الوسنان
وإذا بدت تهفو القلوب صبابةً
فيها وتركع دونها العينان
أخذ الدلال مواثقاً من عينها
أن لا تزال مريضة الأجفان
تمشي فتنشر في الفضاء محاسناً
بسط الزمان لها يدي ولهان
ويلوح للنظر القريب بوجها
عقل الحليم وعصمة الصبيان
لم أنس في قلبي صعود غرامها
إذ نحن نصعد في ربا لبنان
حيث الرياض يهزّ عطف غصونها
شدو الطيور بأطرب الألحان
لبنان تفعل بالحياة جنانه
فعل الزلال بغلة الظمآن
وتردّ غصن العيش بعد ذبوله
غضاً يميد بفرعه الفينان
فكأن لبناناً عروس إذ غدا
يزهو بنشر غدائر الأغصان
وكأنما البحر الخضمّ سجنجل
يبدي خيال جمالها الفتّان
جبل سمت منه الفروع وأصله
تحت البسيطة راسخ الأركان
تهفو الغصون به النهار وفي الدجى
تهفو عليه ذوائب النيران
وترى النجوم على ذراه كأنها
من فوقه دررٌ على تيجان
للّه لبنان الذي هضباته
ضحكت مغازلةً مع الوديان
يجري النسيم الغضّ بين رياضه
مرخى الذيول معطّر الأردان
جلت الطبيعة في رباه بدائعاً
تكسو الكهول غضاضة الشبان
يا صاحبيّ أتذكران فإنني
لم أنس بعد كما سوى النسيان
إذ كان يغبطنا الزمان ونحن في
وادي الفريكة منبت الريحانى
في ليلة حسد الضياء ظلامها
وعنا لفضل نجومها القمران
متجاولين من الحديث بساحة
ركض البيان بها بغير عنان
والليل يسمع ما نقول ولم يكن
غير الكواكب فيه من آذان
فكأنّ جولتنا بصدر ظلامه
سرٌّ يجول بخاطر الكتمان
ما كنت احسب أن أحلّ ببقعة
لللحسن منبتة وللاحسان
حتى نزلت من الشوير بجنّة
فيها الحياة كثيرة الألوان
فهصرت أغصان الأمان ولم يكن
غير السرور بهنّ قطف دان
ولقيت شاعرها الذي ارتفعت له
كفّ القريض مشيرةً ببنان
حتى إذا تمّ اللقاء قصدت من
ربوات بكفيّا ظلال جنان
يا يوم بكفيّا وبيت شبابها
أفديك من يوم بكل زمان
وسقى زمانك يا ديار بحنّسٍ
صوب المسرة دائم التهتان
فلقد رأيت ضياء مجدك مشرقاً
في وجه كل حلاحل ديان
أفيذكر اللبكى يوم بحنس
حيث اجتمعنا في حمى كنعان
أم ليس يعلم أنني أحببته
حُباً أذبت بناره سلواني
لبست ربا لبنان ثوباً أخضرا
وزهت بحيث الحسن أحم قان
نثر الربيع بهنّ زهراً مؤنقاً
يزري بنظم قلائد العقيان
فبرزن من وشي الطبيعة بالحلى
فكأنهنّ بحسنهنّ غوان
وكأنّ صنّيناً أطلّ مراقباً
يرنو لهنّ بمقلة الغيران
تلك الربا أما الجمال فواحدٌ
فيها وأما أهلها فاثنان
رجل يسير إلى النجاح وآخر
يسعى وغايته إلى الخسران
متخاذلين بها وهم أعوانها
ومن البلاء تخاذل الأعوان
ضعفت مباني كل أمرٍ عندهم
ما بين هادمها وبين الباني
وتفرقوا دنياً كأن لم يكفهم
في النائبات تفرّق الأديان
وسعوا فرادى للنجاح وفاتهم
أن التضامن رائد العمران
يا أهل ذا الجبل المنيع مكانه
تفدى مواطنكم بكلّ مكان
أما محاسنها فهنّ بمنزل
تنحطّ عنه بدائع الأكوان
ومن الفخامة هنّ في غلوائها
ومن الشبيبة هن في ريعان
فتبوّءوا جنّاتهنّ أنيقةً
وابنوا بهنّ كأكرم البنيان
ماذا يثبطكم بها أن تنهضوا
نحو الفخار كنهضة اليابان
إني لأرجو أن أراكم للعلا
متهجّين تهيّج البركان
وأودّ لو تمشون مشية واحد
متكاتفين تكاتف الأخوان
لا تقرنوا بتشتت آراءكم
فالبدر يمحق عند كل قران
أمها جري لبنان طال غيابكم
أين الحنين إلى ربا لبنان
هذي مواطنكم تريد وصالكم
وتئنّ شاكيةً من الهجران
أفترحمون أنينها أم أنتم
لا ترحمون أنين ذي أشجان
إني أرى هجر الرجال بلادهم
شيئاً يضيع كرامة البلدان
واضاعة الوطن العزيز جناية
ضلّ الزمان بها عن الغفران
من كان ذا جدةٍ فأحر بمثله
أن لا يضنّ بها على الأوطان