الجيل الأخير

التفعيلة : نثر

كان من الأسهل بكثير أن تكون عبقرياً في العشرينيات،
لم يكن هناك إلا ثلاث أو أربع مجلات أدبية
وإذا نشرْتَ فيها أربع أو خمس مرات يمكن
أن يفتح لك صالون ”جيرتي“ أبوابه
وقد تحظى بلقاء مع بيكاسو لتناول كأس نبيذ
أو ربما فقط مع ميرو.

وإذا أرسلتَ عملك ممهوراً بختمٍ بريديٍّ من باريس
ستحصل على فرص أفضل للنشر
ذلك أن كثيراً من الكتاب يذيّلون مخطوطاتهم بكلمة ”باريس“ وبتاريخ.

وإذا وُجِد راعٍ ستمتلك الوقت
كي تؤلف وتأكل وتشرب وتقوم بنزهات في السيارة إلى إيطاليا
وأحياناً إلى اليونان.
سيكون جيداً أن تُلتقط لك صور مع آخرين من نوعك
سيكون رائعاً أن تبدو مرتباً وغامضاً ونحيلاً
وستكون الصور الملتقطة على الشاطئ عظيمة.

نعم، وبوسعك أن تكتب رسائل إلى الخمسة عشر أو العشرين
الآخرين
وتشكو من هذا الأمر أو ذاك.

يمكن أن تصلك رسالة من عزرا أو هيم،
كان عزرا يحب أن يقدم التوجيهات
وهيم يحب أن يمارس كتابته
في رسائله حين يعجز عن ذلك بشكل مباشر.

كانت لعبة رومانسية مهيبة آنذاك، مليئة
بالصخب والاكتشاف

الآن

الآن أعدادنا كبيرة، وهناك مئات المجلات الأدبية،
ومئات المطابع، وآلاف العناوين..

ربما من غير الملائم أن نسأل:
من سيبقى على قيد الحياة وسط كل هذه النشارة المتعفنة؟

أعود إلى الوراء، وأقرأ كتباً عن حياة فتيان وفتيات العشرينيات.
إذا كانوا الجيل الضائع، فما الاسم الذي ستُطْلقونه علينا،
ونحن نجلس هنا بين الرؤوس النووية بآلاتنا الكاتبة ذات المفاتيح الكهربائية؟

الجيل الأخير؟

أفضّل أن أكون الضائع بدل الأخير
لكن وأنا أقرأ هذه الكتب
عنهم أشعر بلطفهم وكرمهم.

وفيما أقرأ عن انتحار هاري كروسبي في غرفة فندقه
مع عاهرته
يبدو لي الأمر واقعياً كالحنفية التي تقطر الآن
في حمامي.

أحب أن أقرأ عنهم:
جويس أعمى ويجوس في
المكتبات كمثل عنكبوت ذئبيّ، كما قالوا.
دوس باسوس: بتقارير أخباره المثبتة بمشبك ويستخدم شريط آلة
كاتبة قرنفلي اللون.
دي. إتش لورنس: الغاضب والمستاء،
وإتش. دي: الذكية بما يكفي كي تستخدم
الحرفين الأولين من اسمها اللذين بديا أدبيين أكثر من هيلدا دوليتل.

ج.ب. شو: الراسخ طويلاً، النبيل والمغفل كأعضاء الأسر الملكية
جسده ودماغه يتحولان إلى رخام مضجر.

هكسلي يدرّب دماغه بمرح كبير، مجادلاً
لورنس بأن المجد ليس في البطن أو الخصيتين
بل في الجمجمة.

وذلك الريفي الأخرق سنكلير لويس يدخل دائرة الضوء.

في غضون ذلك
انتهت الثورة، تحرر الروس وبدأوا بالاحتضار.
لم يتبق لغوركي شيء يحارب من أجله،
يجلس في غرفة محاولاً
العثور على عبارات تمدح الحكومة
فيما حطّم النصر كثيرين آخرين.

الآن

الآن هناك عدد كبير منا
لكن يجب أن نكون ممتنين، ذلك أنه بعد مائة عام
إذا لم يُدمَّر العالم، فكّروا كم سيبقى من كل هذا:
لا أحد يستطيع حقاً أن يفشل أو ينجح –
سيحصل على استحقاق نسبي فحسب، يعتمه أكثر
تفوقنا العددي.
سنُجَدْول كلنا ونُصنَّف.
حسناً…

إذا كان ما يزال لديكم شكوك عن تلك الأزمنة
الذهبية الأخرى
فقد كان هناك أشخاص آخرون مثيرون للفضول: رتشارد
ألدنغتون، تيدي دريزر، ف. سكوت، هارت كرين، ويندهان لويس، مطبعة بلاك سن.

لكن بالنسبة لي، تمحورت العشرينيات حول همنغواي
وهو يخرج من الحرب ويبدأ بطباعة أعماله.

كان كل شيء بسيطاً هكذا، وواضحاً على نحو ممتع

الآن

هناك الكثير منا.

إرنست، لا تعرف كم كان الأمر جيداً
بعد أربعة عقود حين فجّرتَ دماغك فوق
كأس عصير البرتقال.

بالرغم من أنني أعتقد
أن هذا ليس عملك الأفضل.


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

إذاً، تريد أن تصبح كاتباً ؟

المنشور التالي

ليلة عاصفة

اقرأ أيضاً