حَدَرَ القِناعَ عَنِ الصَباحِ المُسفِرِ
وَلَوى القَضيبَ عَلى الكَثيبِ الأَعفَرِ
وَتَمَلَّكَتهُ هِزَّةٌ في عِزَّةٍ
فَاِرتَجَّ في وَرَقِ الشَبابِ الأَخضَرِ
مُتَنَفَّساً عَن مِثلِ نَفحَةِ مِسكَةٍ
مُتَبَسِّماً عَن مِثلِ سِمطَي جَوهَرِ
سَلَّت عَلَيَّ سُيوفَها أَجفانُهُ
فَلَقَيتُهُنَّ مِنَ المَشيبِ بِمَغفَرِ
مُتَجَلِّداً أَربا بِنَفسي أَن يُرى
هَذا الهِزبَرُ قَتيلَ ذاكَ الجُؤذُرِ
فَحَشا بِطَعنَتِهِ حَشى مُتَنَفَّسٍ
تَحتَ الدُجى عَن مارِجٍ مُتَسَعِّرِ
يَغشى رِماحَ الخَطِّ أَوَّلَ مُقبِلٍ
وَيَكُرُّ يَومَ الرَوعِ آخِرَ مُدبِرِ
فَتَراهُ بَينَ جِراحَتَينِ لِلَحظَةٍ
مَكسورَةٍ وَلِعامِلٍ مُتَكَسِّرِ
نَزَرَ الكَرى يَرمي الظَلامَ بِمُقلَةٍ
سَهِرَت لِأُخرى تَحتَهُ لَم تَسهَرِ
مِن لَيلَةٍ أَرخى عَلَيَّ جَناحَهُ
فيها غُرابُ دُجُنَّةٍ لَم يُزجَرِ
لا يَستَقِلّ بِها السُرى فَكَأَنَّما
باتَت تُسري عَن صَباحِ المَحشَرِ
وَلَقَد أَقولُ لِبَرقِ لَيلٍ هاجَني
فَمَسَحتُ عَن طَرفٍ بِهِ مُستَعبِرِ
اِقرَأ عَلى الجِزعِ السَلامَ وَقُل لَهُ
سُقّيتَ مِن سَبَلِ الغَمامِ المُمطِرِ
بَيني وَبَينَكَ ذِمَّةٌ مَرعِيَّةٌ
فَإِذا تُنوسِيَتِ المَوَدَّةُ فَاِذكُرِ
وَإِذا غَشيتَ دِيارَ لَيلى بِاللِوى
فَاِسأَل رِياحَ الطيبِ عَنها تُخبَرِ
وَاِلمَح صَحيفَةَ صَفحَتي فَاِقرَأ بِها
سَطرَينِ مِن دَمعٍ بِها مُتَحَدِّرِ
كَتَبَتهُما تَحتَ الظَلامِ يَدُ الضَنى
خَوفَ الوُشاةِ بِأَحمَرٍ في أَصفَرِ
وَلَقَد جَريتُ مَعَ الصِبا جَرِيَ الصَبا
وَشَرِبتُها مِن كَفِّ أَحوى أَحوَرِ
ناجَيتُ مِنهُ عُطارِداً وَلَرُبَّما
قَبَّلَتهُ فَلَثمتُ وَجهَ المُشتَري
تَندى بِفيهِ أُقاحَةٌ نَفّاحَةٌ
شَرِبَت عَلى ظَمَإٍ بِماءِ الكَوثَرِ
شَهِدَت لَهُ فَتَكاتُهُ في مُهجَتي
يَومَ الغَميمِ بِنِسبَةٍ في قَيصَرِ
وَلَقَد خَلَوتُ بِهِ أُقَسِّمُ نَظرَتي
ما بَينَ جُؤذِرِ كِلَّةٍ وَغَضَنفَرِ
يَثني مَعاطِفَهُ وَأَذرُفُ عَبرَتي
فَإِخالُهُ غُصناً بِشاطِئِ جَعفَرِ
وَأَهابُ بي شَرخُ الشَبابِ لِريبَةٍ
فَرَمَيتُ جانِبَهُ بِعَطفٍ أَزوَرِ
وَأَخٍ زَأَرتُ لَهُ وَلَولا أَنَّني
آنَستُ ما أَنكَرَتهُ لَم أَزأَرِ
آنَستُ ما آنَستُهُ مِن عَتبِهِ
فَأَقامَ تَحتَ غَمامَةٍ لَم تُمطِرِ
وَلَو اِلتَقَينا حَيثُ يَصغي ساعَةً
لَسَقتهُ بَينَ مَلامَةٍ وَتَشَكُّرِ
تَهمي بِماءِ الوَردِ في أَردانِهِ
وَبَلاً وَتَحصُبُ سَمعَهُ بِالجَوهَرِ
وَعُلاهُ لَولا بَرقُ وَعدٍ شِمتُهُ
في عارِضٍ مِن بِرِّهِ مُستَمطِرِ
لَنَسَختُ أَسطارَ الكِتابِ كَتائِباً
مُصطَفَّةً وَطَرَقتُهُ في عَسكَرِ
وَمقامِ بَأسٍ في الكَريهَةِ قُمتُهُ
فَسَبحتُ في بَحرِ الحَديدِ الأَخضَرِ
أَضحَكتُ ثَغرَ النَصرِ فيهِ مِنَ العِدى
وَلَرُبَّما أَبكَيتُ عَينَ السَمهَري
وَرَمَيتُ هَبوَتَهُ بِلَبَّةِ أَشهَبٍ
فَسَفَرتُ لَيلاً عَن صَباحٍ مُسفِرِ
يَجري فَتَحسَبُهُ اِنصِباباً كَوكَباً
يَنقَضُّ في غَبشِ العَجاجِ الأَكدَرِ
أَورَدتُهُ نُطَفَ الأَسِنَّةِ أَشهَباً
وَنَزَلتُ مِنهُ ظافِراً عَن أَشقَرِ
وَلَقَد خَبَطتُ الغابَ أَسأَلُ لَيلَةً
عَن سِرِّ صُبحٍ في حَشاهُ مُضمَرِ
وَحَطَطتُ عَن بِنتِ الزِنادِ قِناعَها
لَيلاً لِسارٍ تَحتَهُ مَتَنَوِّرِ
وَمَسَحتُ مِنها عَن مَعاطِفِ مُهرَةٍ
شَقراءَ تُذعَرُ مِن شَمالٍ صَرصَرِ
وَجَرى الحَديثُ بِبَعضِ ذِكرى طاهِرٍ
فَجَعَلتُ جَزلَ وَقودِها مِن عَنبَرِ
وَطَفِقتُ أُذكيها وَأَذكُرُ ذِهنَهُ
فَإِخالُ ذاكَ وَهَذِهِ مِن عُنصُرِ
فَكَأَنَّها وَالريحُ عابِثَةٌ بِها
تُزهى فَتَرقُصُ في قَميصٍ أَحمَرِ
وَلَدَت بِهِ أُمُّ السِيادَةِ أَوحَداً
مُتَضَمِّناً مَعنى العَديدِ الأَكثَرِ
تُعدي عُلاهُ دِيارَهُ فَلَها بِهِ
في مُرتَقى زُحَلٍ جَمالُ المُشتَري
وَإِذا وَطِئتُ جَنابَهُ قَدَّستُهُ
فَكَأَنَّني أَمشي بِهِ في مَشعَرِ
أَتَتِ العُلى مِنهُ بِأَوحَدَ أَصيَدٍ
حُلوِ السَجِيَّةِ طَلقِ وَجهِ المَخبَرِ
وَأَغَرَّ أَروَعَ مِلءِ سَمعِ المُنتَقى
حُرِّ الكَلامِ وَمِلءِ عَينِ المُبصِرِ
حَلَّت أَواصِرُهُ بِهِ مِن عامِرٍ
في حَيثُ حَلَّت مُقلَةٌ مِن مِحجَرِ
طَلقِ الجَبينِ كَأَنَّني مُستَقبِلٌ
بِلِقائِهِ وَجهَ الشَبابِ المُدَبِّرِ
رَطبِ الكَلامِ عَلى سَماعِ جَليسِهِ
فَكَأَنَّ في فيهِ لِسانَ مُبَشِّرِ
لا تَعتَريهِ شُبهَةٌ فَكَأَنَّما
يَمشي عَلى وَضحِ النَهارِ النَيِّرِ
مُتَحَمِّلِ العِبءِ الثَقيلِ بِمَنكِبٍ
أَيدٍ وَلَم يَشدُد لَهُ مِن مِئزَرِ
فَكَأَنّهُ مُتَصَوِّبٌ في المُرتَقى
دَمِثَ المَسالِكِ في الطَريقِ الأَوعَرِ