في مِثلِهِ مِن طارِقِ الأَرزاءِ
جادَ الجَمادُ بِعَبرَةٍ حَمراءِ
مِن كُلِّ قانِيَةٍ تَسيلُ كَأَنَّها
شُهُبٌ تَصَوَّبُ مِن فُروجِ سَماءِ
تَحمى فَتَغرَقُ مُقلَةٌ في حاجِمٍ
مِنها وَتُحرَقُ وَجنَةٌ في ماءِ
مَحَتِ الكَرى بَينَ الجُفونِ وَرُبَّما
غَسَلَت سَوادَ المُقلَةِ الكَحلاءِ
لا تُورِثُ الأَحشاءَ إِلّا غُلَّةً
وَالماءُ يَنقَعُ غُلَّةَ الأَحشاءِ
أَهوِلِ بِهِ مِن يَومِ رُزءٍ فادِحٍ
سَحَبَ الصَباحُ بِهِ ذُيولَ مَساءِ
مُتَلاطِمُ الأَحشاءِ تَحسِبُ أَنَّهُ
بَحرٌ طَمى مُتَلاطِمَ الأَرجاءِ
جَمَعَ الحِدادَ إِلى العَويلِ فَما تَرى
في القَومِ غَيرَ حَمامَةٍ وَرقاءِ
مِن ماسِحٍ عَن وَجنَةٍ مَمطورَةٍ
أَو رافِعٍ مِن زَفرَةٍ صُعَداءِ
وَكَأَنَّما يَسقي بِما يَبكي ثَرى
ماقَد ذَوى مِن دَوحَةِ العَلياءِ
وَلَئِن جَزِعتَ لِيَومِ أُمٍّ بَرَّةٍ
نَشَأَت تَطولُ أَكابِرَ الآباءِ
تَصِلُ الدُعاءَ إِلى البُكاءِ كَأَنَّما
تَرمي السَماءَ بِمُقلَةٍ مَرهاءِ
فَلِمِثلِهِ مِن يَومِ خَطبٍ نازِلٍ
جَمَّت دُموعُ أَفاضِلِ الأَبناءِ
فَاِسمَح بِأَعلاقِ الدُموعِ فَإِنَّما
تُقنى دُموعُ العَينِ لِلبُرَحاءِ
وَاِهتِف بِما تَشكو إِلَيها لَوعَةً
إِن كانَ يُصغي هالِكٌ لِنِداءِ
وَاِقرَع لَها بابَ السَماءِ بِدَعوَةٍ
تَستَمطِرُ الخَضراءَ لِلغَبراءِ
حَتّى تَجودُ بِكُلِّ عارِضِ رَحمَةٍ
تَستَضحِكُ الأَنوارَ لِلأَنواءِ
زَجِلِ الرُعودِ كَأَنَّما مَسَحَت بِهِ
كَفُّ الصَبا عَن ناقَةٍ عُشَراءِ
فَبِمِثلِها مِن تُربَةٍ قَد قُدِّسَت
نَثَرَ النَسيمُ قَلائِدَ الأَنداءِ
وَسَرى يُمَرِّغُ خَدَّهُ قَمَرُ الدُجى
وَيُذيلُ فَضلَ ضَفيرَةِ الجَوزاءِ
وَلَئِن صَبَرتَ وَصَبرُ مِثلِكَ حِسبَةٌ
فَلَقَد أَخَذتَ بِشيمَةِ النُبَلاءِ
مِن كُلِّ ماضي العَزمِ يُهوي بِالأَسى
عَن هَضبَةٍ مِن صَبرِهِ خَلقاءِ
كَشَفَت لَهُ الأَيّامُ عَن أَسرارِها
فَرأى جَلِيَّ عَواقِبِ الأَشياءِ
لَم يَثنِ في السَرّاءِ مِن تيهٍ بِها
أَعطافَهُ فَيَخورُ في الضَرّاءِ
ما اِرتابَ أَنَّ سُرورَهُ لِكَآبَةٍ
يَوماً وَأَنَّ بَقاءَهُ لَفَناءِ
فَكَأَنَّهُ وَالعيسُ تَبسُطُ خَطوَهُ
قَد بانَ مُرتَحِلاً عَنِ الأَحياءِ
فَلَرُبَّ رَكبٍ لِلرَدى تَحتَ السُرى
ضَرَبوا قِبابَهُم بِها لِثَواءِ
مُتَوَسِّدينَ بِها التُرابَ كَأَنّهُم
لَم يَرتَعوا في زَهرَةِ النَعماءِ
صَرعى فَلا قَلبٌ لِغَيرِ صَبابَةٍ
يُذكى وَلا عَينٌ لِغَيرِ بُكاءِ
ما شِئتَ مِن قُرَناءِ خَيرٍ أَعصَفَت
ريحُ الرَدى بِهِم وَمِن قُرَباءِ
مُلِئَت بِهِم عَيني دُموعاً كُلَّما
مُلِئَت عُيونُهُمُ مِنَ الإِغفاءِ
وَكَفى أَسىً وَصَبابَةً أَن أُنزِلوا
وَهُمُ الأَقارِبُ مَنزِلَ البُعَداءِ
بَدَداً بِمَسرى كُلِّ ريحٍ عاصِفٍ
وَمَصابِ كُلِّ غَمامَةٍ هَطلاءِ
أَلوى بِهِم وَلِكُلِّ جَنبٍ مَصرَعٌ
داءٌ عَياءٌ عَزَّ كُلَّ دَواءِ
وَطَوى القُرونَ بِحَيثُ صُمَّت عَنهُمُ
أُذُنُ المُصيخِ وَكُلِّ طَرفُ الرائي
وَلَئِن سَطا وَالفاصِلاتُ كَثيرَةٌ
فَلَقَد سَطا بِقَليلَةِ النُظَراءِ
وَنَجيبَةٍ جاءَت بِأَوحَدِ أَمجَدٍ
قَد فاتَ طَولاً أَيدِيَ النُجَباءِ
مُتَقَلِّبٌ في اللَهِ بَينَ بَشاشَةٍ
يَندى الهَشيمُ بِها وَبَيَن مَضاءِ
لَدِنٌ كَمَطلولِ النَسيمِ وَتارَةً
خَشِنٌ كَصَدرِ الصُعدَةِ السَمراءِ
في مَقعَدٍ وَسِعَ الأَنامَ عَدالَةً
وَسَما فَزاحَمَ مَنكِبَ الخَضراءِ
يَستَنزِلُ الأَروى هُناكَ سَكينَةً
وَيَروعُ قَلبَ الصَخرَةِ الصَمّاءِ
عَدلٌ يَظَلُّ بِظِلِّهِ ذِئبُ الغَضا
جاراً هُناكَ لِظَبيَةِ الوَعساءِ
وَكَفاهُما أَن يَخلوا بِأَراكَةٍ
عِندَ المَقيلِ وَيَشرَبا مِن ماءِ
وَإِلَيكَ مِن حُرِّ الكَلامِ عَقيلَةً
قَصَرَت خُطاها خَجلَةُ العُذَراءِ
نَشَأَت وَشُقرٌ دارُها فَكَأَنَّما
وَرَدَتكَ زائِرَةً مِنَ الزَوراءِ
رَقَّت وَقَد عَلِمَت بِمَوضِعِ حُسنِها
فَأَتَتكَ تَمشي مِشيَةَ الخُيَلاءِ