لا زلتَ تبلغُ أقصى السُؤْلِ والأملِ
ممتّعَ النفسِ بالسّراءِ والجَذلِ
ولا عدمْتَ نماءً لا انتهاءَ له
في الحال والمال والأحبابِ والخولِ
يا مَنْ تزيّنتِ الدنيا بدولتِه
فأصبحتْ وهْي في حلْيٍ وفي حُللِ
أَوارِدٌ بحرَكم مثلي ومنصرفٌ
في الصادرين بلا علّ ولا نهلِ
ألستُ أصلحُ سمساراً لبركُمُ
ولا وكيلاً ولا عوناً على عملِ
بلى وإنْ كان راعي الناسِ أهملني
فليسَ حقّيَ إهمالي مع الهَمَلِ
إنّي لأخوَضُ للأهوالِ من أسدٍ
عادٍ وأنهضُ بالأثقال من جملِ
ما زلتُ أنهضُ في الجُلَّى أُحمَّلها
بنجدةٍ وبرأي غير ذي خللِ
عندي إذا غرّر الكافون أو عجزوا
حزمُ الجبانِ تليه جرأةُ البطلِ
ولستُ كالمرءِ يؤتَى عند عزمتِه
من التهوّرِ يوماً لا ولا الفشلِ
إني بما شئت من إتقانِ ذي خللٍ
كل الوفاء ومن تقويم ذي ميلِ
وإنْ نَفَثْتَ إليّ السرَّ مؤتمناً
لم أفشِ سرَّك عن عمدٍ ولا زللِ
فهبْ لراجيكِ إذناً منك تلقَ به
مُؤدَّباً غيرَ ذي جهل ولا خطلِ
لا يسألُ الحاجةَ المعوجَّ مسلكُها
ولا يحاوِل أمراً بيّنَ الحولِ
بل كلّ ما يوجبُ الإنصافَ منك له
مع الوسائل والأسبابِ والوُصَلِ
من ارتجاعِ عقارٍ لجَّ غاصبُه
ورَدِّ دَينٍ له في الظلمِ مُعتقَلِ
وشعبةٍ من مَعاشٍ لا تُكلِّفه
مُرَّ السؤالِ ولا مستثقلَ الرِّحلِ
وكلّ ذاك خفيفٌ إن نشطتَ له
يا منْ يخفُّ عليه كل ذي ثقلِ
أقولُ إذ غصبتني كفُّ جارية
اللَّه أكبر من وَدٍّ ومن هُبلِ
فاز الغواني بما أمَّلنَ من أملٍ
فما يبالينَ ما لاقينَ من أجلِ
متى غلبن رجالَ الجدّ في زمنٍ
كما غلبنَ رجالَ اللهو والغزلِ
وإن أعجبَ شيءٍ أنت مُبصرُه
في كل ما حُمّلتْهُ الأرضُ من ثقلِ
كفٌّ خضيبٌ من الحناء غاصبةٌ
كفاً خضيباً من الأبطالِ والعضلِ
يا حسرتاً لي ويا لهفاً ويا عجباً
إنْ هذه الحال لم تُنكَرْ ولم تُزَلِ
في دولتي أنا مغصوبٌ وفي زمني
عوديَ ظمئَى بلا ريٍّ ولا بللِ
أُمسي وأصبحُ مظلوماً بلا جنفٍ
من الوزيرِ ومحروماً بلا نِحَلِ
لكنْ لأمر خفيٍّ لا يحيطُ به
علمي وإن كنتُ ذا علمٍ وذا جدلِ
وإنني لأرَجِّي أن يصبّحني
سعدُ السعودِ بحظ منه مُقتبلِ
وما أرجّي سماحاً منه مُطَّرفاً
لكن سماحاً تليداً فيه لم يزلِ
وما فمي بمفيق من معاتبةٍ
حتى يشافِهَ تلك الكفَّ بالقُبلِ
فليأمرِ السيدُ الحُجّابَ حضرتَه
بصونِ وجهٍ مصونٍ غيرِ مبتذلِ
حتّى يلاقيني أجفى جُفاتِهمُ
بلا فتورٍ يُرى فيه ولا كسلِ
وليجعلِ الإذنَ رسماً لا زوالَ له
كالإذنِ للقومِ من أصحابهِ النُبُلِ
وما خرقتُ ولا ضيّقت في مهلٍ
بل قد رقَقْتُ وقد أوسعت في المهَلِ
ولو عجلتُ وجدتُ اللَّه يعذرني
في قوله خُلق الإنسان من عجلِ
ها أنتَ تعلمُ أن الصبر من صَبِرٍ
فامزجهُ بالنجحِ إن النُجح من عسلِ
وما عليَّ ملامٌ إنني رجلٌ
ظمئْتُ خمساً ولم أشرعْ على وَشَلِ
لكن شرعتُ على بحرٍ له حدبٌ
تغشى غواربُه الركبانَ كالظّلَلِ
متى أنال الذي أمَّلتُ من أملٍ
إن لم أنلْ بك ما أمَّلتُ من أملِ
أنَّى يكون ربيعي ممرعاً غَدِقاً
إن لم يكن هكذا والشمس في الحَمَلِ
يا آلَ وهبٍ أعينوني على رجلٍ
أعلى وأثقل في الميزان من جبلِ
حُرمتُ منه وقد عمَّت فواضلُهُ
وتلْكُمُ المثلةُ الكبرى من المُثَلِ
ألحاظُهُ لا تراعيني ونائلُهُ
لا في التفاريق تأتيني ولا الجُملِ
مضتْ سنون أراعي نجمَ دولتِكم
فيها وأعتدُّها قسْمي من الدُّولِ
إن غابَ حظكُمُ استعبرتُ من أسفٍ
له وإن قفلَ استبشرتُ بالقفلِ
وإن رمَى الدهرُ من يرمي صفاتَكمُ
ناديتُه لا رماك اللَّه بالشللِ
حتى إذا أطلع اللَّه السعودَ لكم
خُصصتُ بالعطلة الطُّولى من العُطلِ
طال المطال على حقي ودافعَه
من ليس منه دفاع الحق بالعللِ
ولم يفتْ فائتٌ تأسى النفوسُ له
كنائلِ الكفِّ ذاتِ العُرفِ والنفلِ
مالٌ مولٍّ وأسبابٌ مخيَّبةٌ
في دولة الفوزِ ما هذا بمحتملِ
حتّام يا سائس الدنيا تؤخرني
وإنني لنظيرُ الصدرِ لا الكفلِ
لكلّ قومٍ رسومٌ أنت راسمُها
ولستُ فيهم بذي رسْم ولا طللِ
لا في التّجار ولا العُمالِ تنصبُني
وإنني لقليلُ المِثل والبدلِ
أنا المشارُ إليه بالبنانِ إذا
عُدَّ المراجيحُ والمرموق بالمُقلِ
وما وفائي بمدخولٍ إذا كَلَحَتْ
دهياءُ تفتَرُّ للأقوامِ عن عُصُلِ
يدومُ عهدي على حالٍ لمصطنعي
ولا أعرّد عنه ساعةَ الوهلِ
ولا أقولُ إذا نابتهُ نائبةٌ
مالي بعادية الأيام من قبلِ
كم في احتيالي وتدبيري لذي فزعٍ
من ملجأ ومُغاراتٍ ومُدّخلِ
وما أقُرّضُ نفسي كي أدلِّسَها
ولا أريغ لديك الحظَّ بالحيلِ
لكن تنصّحتُ في نفسي لأهديَها
إليك والنفسُ علِقٌ ليس بالجللِ
ومن تسوَّقَ مرتاعاً بسلعته
مستشعرَ الخوفِ مملوءاً من الوجلِ
فقد تقدمتُ في أمري على ثقةٍ
مني يشيِّعها أمنٌ من الخجلِ
فاخبرْ وجرّبْ تجدْني حين تخبرني
أمْضى من السيف في الأعناق والقُللِ
وارمِ المهماتِ بي في كلِّ حادثةٍ
ترتاعُ منها أسودُ الغابِ والأسلِ
تجدْ لديَّ كفاياتٍ مجرّبةً
أشفى من الباردِ المثلوجِ للغُللِ
لا تطَّرحني فإني غير مطَّرحٍ
ولا تُذِلْني فإني العِلقُ لم يُذلِ
خذني عتاداً لما في الدهرِ من نُوَبٍ
محذورة ولما في الحال من نُقلِ
هذا على أنني أرجو لكم مُهلاً
موصولةً مدة الدنيا إلى مُهَلِ
وحقُّكم ذاك إن اللَّه فضّلكُم
تفضيلهُ الضحوةَ الأولى على الطّفلِ
براكم الله من حزمٍ ومن كرمٍ
أزكى من الماءِ بل أذكى من الشُعلِ
وما افتقرتم إلى مدحٍ يزينكُم
تالله يا زينةَ الأيامِ في الحفلِ
وكيف ذاك ومنكم كلُّ مقتبسٍ
من السناءِ وعنكم كلُّ ممتثلِ
تَغنونَ عن كلِّ تقريظٍ بفضلكُمُ
غنى الظباء عن التكحيل بالكَحَلِ
تلوحُ في دولةِ الأيامِ دولتُكمِ
كأنها مِلَّةُ الإسلام في المللِ
فأنتمُ أولياءُ اللَّه كُلُّكُمُ
في جنة الخلد سُكناهم بلا حولِ
ما إن لدولتكم إبّانُ مُنقرضٍ
كلا لعمري ولا ميقاتُ مرتحلِ
أنجى الإلهُ من المريخ زهرتكم
ومشتريكم فقد أنجاهُ من زحلِ
خُذها فما عجزتْ كلا ولا قَصُرتْ
عن رتبة السبعِ في أترابها الطُولِ
واسلمْ سلامَةَ مأمولٍ فواضلهُ
إذا رأوْه لبني الآمال كالقبلِ