أَنا لستُ أدري كيف أرثي واحداً
أَمسى برغمِ الموتِ حيا خالداً
أَبقى من (الأهرام) في آثارِه
وَأجل مأثرةً وَأبلغ شاهدا
دبَّ الفناءُ له فعاد بخيبةٍ
خزيانَ ينظرُ مستشيطاً حاقدا
ما نال منه وَلو علاه سكونُه
فالبحرُ بحرٌ زاخراً أو راكدا
شوقي وَهل أَرثيه يومَ خلودِه
فالسيفُ يبغي شاهراً لا غامدا
دعني أُشدْ بالعبقريةِ إنَّها
كالشمسِ إنْ غربتْ أرتك فراقدا
أَو شعلة لمعتْ فجلَّتْ غيهباً
وَهدتْ أخا جوْرٍ وَردَّتْ حائدا
تتمخّضُ الأجيالُ أعصاراً بها
حتى يتيح الغيبُ منها وافدا
كالبحرِ يندرُ أنْ يجودَ بدرِّه
وَتراه بالأَصدافِ يقذِفُ جائدا
فإذا أَراد اللهُ نهضةَ أُمةٍ
أهدى إليها العبقريةَ قائدا
شوقي وَأنتَ رسالةٌ علويةٌ
مرَّتْ عَلَى سمعِ الزمانِ نشائدا
روحٌ من اللهِ الكريمِ وَرحمةٌ
أَحيا بها مَيْتاً وَأيقظَ هاجدا
رُضْتَ القريضَ عَلَى اختلافِ فنونِه
في كل وادٍ همْتَ كنتَ الراشدا
أما القديمُ ففزتَ منه بروعةٍ
وَجلوتَ من آيِ الجديدِ مشاهدا
فرفعتَ للفصحى (بمصرٍ) دولةً
كانتْ تطالع فيك نجماً صاعدا
توَّجْتَ (مصر) وَشدتَ عرشَ فخارِها
وَعقدتَ في جيدِ (الشآم) قلائدا
للعربِ والإسلامِ في آلامِهمْ
كنتَ اللسانَ مترجماً والساعدا
أضحى بيانُك جامعاً أَهواءَهمْ
ومن الخمولِ إلى النباهةِ رائدا
ما أَقْلَقَ الإسلامَ خطبٌ فادحٌ
إلا نهضتَ مواسيا أو ذائدا
“وَدعوتَ للخلقِ الكريم؛ وشر ما”
أَودى بنا قد كان خلقاً فاسدا
ما زالَ فينا مَنْ يكيدُ لقومِهِ
كم ذا نُطيقُ مداجياً أو كائدا
كم موقِفٍ لك في (دمشق) وأهلها
قدْ هزَّ يقظاناً ونبَّه راقِدا
غَنَّيْتَها لَحناً يفيضُ صَبابةً
فتمايلتْ فيها الغُصونُ تواجُدا
وشَركْتَها في بُؤْسِها ونعيمها
يا مَنْ رأى ولداً يشاطر والدا
في الجامعِ الأُمويِّ قُمتَ مكَبِّراً
وذكرْتَ مجدَ بني (أُميَّةَ) ساجدا
خلَّفتَ في (الزهراءِ) دمعَك جاريا
وتركْتَ في (الفيحاءِ) قلبَكَ واجدا
واسَيْتَ (جلَّق) في عظيمِ مُصابِها
وَنضحتَ عنها بالبيان مُجاهدا
صعَّدتَ أَنفاساً وَجُدتَ بأَدمعٍ
في يومِ محْنتِها فكُنَّ قصائدا
أَشْجاك أَنْ تُمسي الجنانُ بها لظىً
وتبيت داراتُ النَّعيمِ مَراقدا
جعلوا مُنيفاتِ القصورِ ومَنْ بها
للنّارِ في غَلسِ الظَّلامِ حصائدا
عاثَتْ بها سودُ الوُجوهِ تَخالهمْ
بين الطُّلولِ عقارِباً وأَساوِدا
وأَشدُّ مِنْ هذا الزَّبانيةُ الأُولى
كادوا لها يلقون عيشاً راغدا
من كُلِّ عبدٍ للطُّغاةِ وحِزبهمْ
وتراه شيطاناً علينا ماردا
كم متعةٍ في عيشِها لو أَنَّهمْ
ما كَدَّروه مصادراً ومَواردا
هَيهاتَ لا تنسى صَنيعك إِنَّها
جعلتْ بَلابِلَها لِساناً حامدا
والآنَ دَعْ جفني يبحْ بشؤونِه
فالدَّمْعُ أثقله كميناً جامدا
وَذرِ الحزينَ يبثُّ بعضَ شكاتِه
فالصدرُ يحرجُ بالهمومِ حواشدا
لكنْ أَخاف عليك تبريحَ الأَسى
يوري عَلَى جنبيْك جمراً واقدا
فاربطْ عَلَى قلبٍ وَطأمنْ لوعةً
واشددْ عَلَى كبدٍ وَصابر جاهدا
يا ناشداً بالأَمسِ نوماً شارداً
هلاّ نشدتَ اليوم صبراً نافدا
خطبانِ قلبُ العرب قاسى منهما
جرحاً يسيلُ دماً وَسهماً قاصدا
ما جفَّ دمعُهمُ لمصرعِ (حافظ)
حتى استهلَّ بيومِ (شوقي) واردا
لم أنسَ مؤتمر النساءِ وَقد نعى
شوقي فظلَّ من التفجع مائدا
ريعَ العقائلُ والأَوانسُ أَعولتْ
وَنثرنَ من عبراتهن فرائدا
أوجعنَ لي قلبي وهجن مدامعي
وتركن جفني للفجيعةِ ساهدا
سرُّ الحياةِ يدقُّ عن فهم الورى
حارَ اللبيبُ به فأطرق سامدا
لولا رياضُ الشعرِ في صحرائها
كانتْ جياتُك محنةً وَشدائدا
تدنو بأسبابِ الحياةِ إلى الردى
أنّى اتجهتَ رأيت منه راصدا
والمرءُ في دنياه طيرٌ مانجا
من صائدٍ إلاّ ليلقى صائدا
دعْ عنك تمحيصَ الحقيقةِ إنها
تدعُ الفتى في كل شيءٍ زاهدا
وانصتْ إلى وَحي الخيالِ فإِنَّه
لولاه كان العيش معنى باردا
وَإذا بكيتَ عَلَى امرىءٍ فابك الذي
ملك البيان طريفَه والتالدا