أمَاتَ أُولَئِكَ الجُنْدُ الْكِرَامُ
وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ أثَرٌ مُقَامُ
سِوَى قَوْلِ الرُّوَاةِ حَيُوْا لِيَقْضُوا
مُنَى رَجُلٍ كَبِيرٍ ثُمَّ نَامُوا
تَفَانَوْا فِي بِنَاءٍ اسْمٍ عَظِيمٍ
وَمَا أسْمَاؤُهُمْ إلاَّ الرَّغَامُ
يُسَخِّرُ رَبُّكَ الدُّنْيَا لِفَانٍ
وَفِي الدُّنْيَا وَفِيهِ لَهُ مَرَامُ
فَيُلْقِي مِنْ مَحَبَّتِهِ عَلَيْهِ
وَتُوشِكُ أنْ تُوحِّدَهُ الأنَامُ
كَذَاكَ أحَبَّ نَابُلْيُونَ جُنْدٌ
هُمُ بِفَخَارِهِ نَهَضُوا وَقَامُوا
أبَالِسُ لاَ تُرَدُّ وَلاَ تُلاَقَى
مَلاَئِكَ لا تُصَدُّ وَلاَ تُضَامُ
أعِزَّةُ يَوْمِ أُسْتِرْلِتْسَ كَانُوا
قَلِيلاً وَالْعِدَى كُثْرٌ ضِخَامُ
تَلاَقَوْا مُقْبِلِينَ عَلَى اشْتِياقٍ
وَلَكِنْ لاَ وِدَادَ وَلاَ سَلاَمُ
وَكَانَتْ قُبْلَةُ الأشْواقِ فِيهِمْ
ضِرَاماً لاَ تَقَرُّ عَلَيْهِ هَامُ
وَطَالَ وَمَا شَفَى لهم غَلِيلاً
مِنَ الوَجْدِ التَّعَانُقُ وَاللِّزَامُ
فَلَمْ يَكُ مُجْدِيَ الرُّوسِ التَّفَانِي
وَلاَ الْحُلَفَاءِ بَأْسٌ وَاقْتِحَامُ
وَلاَ عَصَمَ الصَّقِيعُ وَكَانَ مِنْهُ
مَعَاقِلُ خَلْفَهَا لَهُمُ اعْتِصَامُ
وَقُيِّضَ لِلفَرَنْسِيِّينَ نَصْرٌ
أتَاهُمُ فَوْقَ مَا ظَنُّوا وَرامُوا
فَطَابُوا فِي الغَبُوْقِ بِهِ نُفُوساً
ورَاقَ لَهُمْ مَعَ الظَّفَرِ المُدَامُ
وَحَدَّثَ قَوْمَهُ الصُّعْلُوكُ مِنْهُمُ
بِمَا كَانَتْ وَقَائِعُهُ الجِسَامُ
وَكَانَ فَتىً لَهُ سِيمَا زَعِيمٍ
يُنْكِّرُهُ التَّفَرُّدُ وَالظَّلاَمُ
عَرِيضُ الجَبْهَةِ الغَرَّاءِ يَبْدُو
بِهَا شَعْرٌ كَمَا رَقَّ الغَمَامُ
حَدِيدُ النَّاظِرَيْنِ إذَا أُثِيرَا
فَمِصْباحَانِ مِلْؤُهُمَا ضِرَامُ
تَرَاهُ العَيْنُ جَبَّاراً عَظِيماً
لِهَيْبَتِهِ وَإنْ قَصُرَ الْقَوَامُ
يَمُرُّ بِهِمْ وَقَدْ ثَمِلُوا افتِخَاراً
وَإعْيَاءً فَكُلُّهُمُ نِيَامُ
إذَا تَعِبَ الجُنُودُ فَلَيْسَ بِدْعٌ
بِأَنْ لاَ يَتْعَبَ المَلِكُ الهُمَامُ
فَطَافَ بِهِمْ وَبِالجَرْحَى افْتِقَاداً
وَكَانَ مَبَرَّةً مِنْهُ اللِّمَامُ
وَفَارَقَهُمْ إلَى حَيْثُ اسْتَقَرَّتْ
مِنَ القَتْلَى الْجَمَاجِمُ وَالْعِظَامُ
يُشَاهِدُ مَا جَنَاهُ قَرِيرَ عَيْنٍ
وَلاَ حَرَجٌ عَلَيْهِ وَلاَ مَلاَمُ
فَما اسْتَرْعَاهُ إلاَّ صَوْتُ عَانٍ
بِجَانِبِهِ يُصَارِعُهُ الْحِمَامُ
دَنَا لِيُغِيثَهُ فَأَمَالَ رَأْساً
لَهُ عَنَتِ الْقَيَاصِرَةُ العِظَامُ
وَأَلْقَى رُكْبَتَيْهِ عَلَى صَعِيدٍ
يُمَازِجُ تُرْبَهُ الدَّمُ وَالحُطامُ
عَتِيٌّ مَا جَثَا للهِ إلاَّ
وَمَرْكَعُهُ عَلَى عَمَدٍ يُقَامُ
فَحَلَّ عَنِ الْفَتَى ثَوْباً خَضِيباً
كَأَّنَّ ثُقُوبَهُ فِيهِ كِلاَمُ
وَأَبْصَرَ فِي تَرَائِبِهِ صُدُوعاً
عَلَى دَخَلٍ يَعِزُّ لَهَا الْتِئَامُ
فَلَمَا ثَابَ لِلعَانِي شُعُورٌ
نَفَاهُ الضَّعْفُ عَنْهُ وَالسَّقَامُ
وَأدْرَكَ مَنْ بِجَانِبِهِ تَرَاءَى
بِطَرْفَيْهِ الكَلِيلَيْنِ اضْطِرَامُ
أَرَادَ إبَانَةً عَمَّا تَنَادَتْ
جَوَارِحُهُ بِهِ فَعَصَى الْكَلاَمُ
فَغَضَّ الطَّرْفَ ثُمَّ رَنَا فَأَلْقَى
مُفَاضَتَهُ يُضِيءُ بِهَا وِسَامُ
فَجَمَّعَ مَا تَبَقَّى مِنْ قِوَاهُ
وَأَسْعَدَهُ عَلَى النُّطْقُ الذِّمَامُ
فَصَاحَ فِدَاكَ يَا مَلِكِي حَيَاتِي
وَمَاتَ وَفِي مُحَيَّاهُ ابْتِسَامُ