هنا ،
عند مُنْحَدَرات التلال ،
أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت ،
قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ ،
نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ ،
وما يفعل العاطلون عن العمل:
نُرَبِّي الأملْ .
بلادٌ علي أُهْبَةِ الفجر. صرنا أَقلَّ ذكاءً ،
لأَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر:
لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة.
أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ
في حلكة الأَقبية.
هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحداً…
هنا، لا ((أَنا))
هنا، يتذكَّرُ آدَمُ صَلْصَالَهُ
سيمتدُّ هذا الحصارُ إلي أن نعلِّم أَعداءنا
نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ.
أَلسماءُ رصاصيّةٌ في الضّحي
بُرْتقاليَّةٌ في الليالي. وأَمَّا القلوبُ
فظلَّتْ حياديَّةً مثلَ ورد السياجْ.
في الحصار، تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُ
بين تذكُّرِ أَوَّلها
ونسيانِ آخرِها. ..
الحياة.
الحياة بكاملها،
الحياة بنقصانها،
تستضيف نجوماً مجاورة
لا زمان لها…
وغيومها مهاجرة
لا مكان لها.
والحياة هنا
تتساءل:
كيف نعيد إليها الحياة
يقولُ علي حافَّة الموت:
لم يَبْقَ بي مَوْطِئٌ للخسارةِ:
حُرٌّ أَنا قرب حريتي
وغدي في يدي. ..
سوف أَدخُلُ عمَّا قليلٍ حياتي
وأولَدُ حُرّاً بلا أَبَوَيْن،
وأختارُ لاسمي حروفاً من اللازوردْ…
هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان، علي دَرَج البيت
لا وَقْتَ للوقت
نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلي الله:
ننسي الأَلمْ.
الألمْ
هُوَ:
أن لا تعلِّق سيِّدةُ البيت حَبْلَ الغسيل
صباحاً، وأنْ تكتفي بنظافة هذا العَلَمْ.
لا صديً هوميريّ لشيءٍ هنا.
فالأساطيرُ تطرق أبوابنا حين نحتاجها.
لا صديً هوميريّ لشيء…
هنا جنرالٌ يُنَقِّبُ عن دَوْلَةٍ نائمةْ
تحت أَنقاض طُرْوَادَةَ القادمةْ
يقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود
وبين العَدَمْ
بمنظار دبّابةٍ…
نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا
والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ.
أَيُّها الواقفون علي العَتَبات ادخُلُوا،
واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ
قد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلنا
أَيها الواقفون علي عتبات البيوت
اُخرجوا من صباحاتنا،
نطمئنَّ إلي أَننا
بَشَرٌ مثلكُمْ!
نَجِدُ الوقتَ للتسليةْ:
نلعبُ النردَ، أَو نَتَصَفّح أَخبارَنا
في جرائدِ أَمسِ الجريحِ،
ونقرأ زاويةَ الحظِّ: في عامِ
أَلفينِ واثنينِ تبتسم الكاميرا
لمواليد بُرْجِ الحصار.
كُلَّما جاءني الأمسُ، قلت له:
ليس موعدُنا اليومَ، فلتبتعدْ
وتعالَ غداً !
قال لي كاتب ساخر:
لو عرفت النهاية، منذ البداية،
لم يبق لي عمل في اللغة
كل موت،
وإن كان منتظراً،
هو أول موت
فكيف أرى
قمراً
نائماً تحت كل حجر؟
أفكر من دون جدوى:
بماذا يفكر من هو مثلي، هناك
على قمة التل، منذ ثلاثة آلاف عام،
وفي هذه اللحظة العابرة؟
فتوجعني الخاطرة
وتنتعش الذاكرة.
عندما تختفي الطائرات تطير الحمامات،
بيضاء، بيضاء. تغسل خدّ السماء
بأجنحة حرّة، تستعيد البهاء وملكية
الجو واللهو. أعلى وأعلى تطير
الحمامات، بيضاء بيضاء. ليت السماء
حقيقة [قال لي رجل عابر بين قنبلتين]
الوميض، البصيرة، والبرق
قيد التشابه…
عما قليل سأعرف إن كان هذا
هو الوحي…
أو يعرف الأصدقاء الحميمون
أن القصيدة مرت ،
وأودت بشاعرها…
إلى ناقد: لا تفسر كلامي
بملعقة الشاي أو بفخاخ الطيور!
يحاصرني في المنام كلامي،
كلامي الذي لم أقله،
ويكتبني ثم يتركني باحثاً
عن بقايا منامي…
شجر السرو، خلف الجنود، مآذن
تحمي السماء من الانحدار. وخلف سياج
الحديد جنود يبولون – تحت حراسة دبابة.
والنهار خريفي يكمل نزهته الذهبية
في شارع واسع كالكنيسة
بعد صلاة الأحد…
بلاد على أهبة الفجر،
لن نختلف على حصة الشهداء من الأرض،
هاهم سواسية
يفرشون لنا العشب
كي نأتلف!
نحب الحياة غداً
عندما يصل الغد سوف نحب الحياة
كما هي، عادية ماكرة
رمادية أو ملونة،
لا قيامة فيها ولا آخرة.
وإن كان لابد من فرح
فليكن
خفيفاً على القلب والخاصرة !
فلا يلدغ المؤمن المتمرن
من فرح … مرتين!
( إلى قاتل): لو تأملت وجه الضحية
وفكرت، كنت تذكرت أمك في غرفة
الغاز، كنت تحررت من حكمة البندقية
وغيّرت رأيك : ما هكذا تستعاد الهوية !
( إلى قاتل آخر): لو تركت الجنين
ثلاثين يوماً، إذاً لغيرت الاحتمالات:
قد ينتهي الاحتلال ولا يتذكر ذاك
الرضيع زمان الحصار،
فيكبر طفلاً معافى، ويصبح شاباً
ويدرس في معهد واحد مع إحدى بناتك
تاريخ آسيا القديم
وقد يقعان معاً في شباك الغرام
وقد ينجبان ابنةً ( وتكون يهودية بالولادة(
ماذا فعلت إذاً؟
صارت ابنتك الآن أرملة
والحفيدة صارت يتيمة؟
فماذا فعلت بأسرتك الشاردة
وكيف أصبت ثلاث حمائم بالطلقة الواحدة؟
لم تكن هذه القافية
ضرورية، لا لضبط النغم
ولا لاقتصاد الألم
إنها زائدة
كذباب على المائدة
الضباب ظلام، ظلام كثيف البياض
تقشره البرتقالة والمرأة الواعدة
وحيدون، نحن وحيدون حتى الثمالة،
لولا زيارات قوس قزح
هل نسيء إلى أحد؟ هل نسيء إلى
بلدٍ، لو أصبنا، ولو من بعيد،
ولو مرة، برذاذ الفرح؟
الحصار هو الانتظار
هو الانتظار على سلم مائل وسط العاصفة
لنا أخوة خلف هذا المدى
أخوة طيبون، يحبوننا ، ينظرون إلينا
ويبكون، ثم يقولون في سرهم:
” ليت هذا الحصار هنا علنيّ.. .”
ولا يكملون العبارة: ” لا تتركونا
وحيدين… لا تتركونا”
القنابل لا تستعين بكسرى
ولا قيصر، طمعاُ بالخلافة،
فالحكم شورى على طبق العائلة
ولكنها أعجبت بالحداثة
فاستبدلت
بطائرة إبل القافلة
سأصرخ في عزلتي،
لا لكي أوقظ النائمين.
ولكن لتوقظني صرختي
من خيالي السجين!
أنا آخر الشعراء الذين
يؤرقهم ما يؤرق أعداءهم:
ربما كانت الأرض ضيقة
على الناس،
والآلهة
هنا تتجمع فينا تواريخ حمراء،
سوداء. لولا الخطايا لكان الكتاب
المقدس أصغر. لولا السراب لكانت
خطى الأنبياء على الرمل أقوى، وكان
الطريق إلى الله أقصر
فلتكمل الأبدية، أعمالها الأزلية..
أما أنا، فسأهمس للظل: لو
كان تاريخ هذا المكان أقل زحاماً
لكانت مدائحنا للتضاريس في
شجر الحور.. أكثر !
خسائرنا: من شهيدين حتى ثمانية
كل يوم،
وعشرة جرحى
وعشرون بيتاً
وخمسون زيتونة،
بالإضافة للخلل البنيوي الذي
سيصيب القصيدة والمسرحية وللوحة الناقصة
نخزن أحزاننا في الجرار، لئلا
يراها الجنود فيحتفلوا بالحصار…
نخزنها لمواسم أخرى،
لذكرى،
لشيء يفاجئنا في الطريق.
فحين تصير الحياة طبيعية
سوف نحزن كالآخرين لأشياء شخصية
خبأتها عناوين كبرى،
فلم ننتبه لنزيف الجروح الصغيرة فينا.
غداً حين يشفى المكان
نحس بأعراضه الجانبية
في الطريق المضاء بقنديل منفى
أرى خيمة في مهب الجهات:
الجنوب عصي على الريح،
والشرق غرب تصوّف،
والغرب هدنة قتلى يسكّون نقد السلام.
فليس بجغرافيا أو جهة
إنه مجمع الآلهة!
يقول لها: انتظريني على حافة الهاوية
تقول : تعال.. تعال! أنا الهاوية
قالت امرأة للسحابة: غطي حبيبي
فإن ثيابي مبللة بدمه!
إذا لم تكن مطراً يا حبيبي
كن شجراً
مشبعاً بالخصوبة … كن شجرا
وإن لم تكن شجراً يا حبيبي
فكن حجراً
مشبعاً بالرطوبة.. كن حجراً
وإن لم تكن حجراً يا حبيبي
فكن قمراً
في منام الحبيبة… كن قمراً
(هكذا قالت امرأة
لابنها في جنازته )
إلى ليل: مهما ادعيت المساواة
” كلك للكل “… للحالمين وحراس
أحلامهم، فلنا قمر ناقص، ودم
لا يغير لون قميصك يا ليل …
نعزي أبا بابنه: ” كرم الله وجه الشهيد ”
وبعد قليل، نهنئه بوليد جديد .
إلى الموت : نعرف من أي دبابة
جئت. نعرف ما تريد… فعد
ناقصاً خاتماً. واعتذر للجنود وضباطهم،
قائلاً: رآني العروسان أنظر
نحوهما، فترددت ثم أعدت العروس
إلى أهلها… باكية !
إلهي… إلهي! لماذا تخليت عني
وما زلت طفلاً … ولم تمنحني؟
قالت الأم:
لم أره ماشياً في دمه
لم أر الأرجوان على قدمه
كان مستنداً للجدار
وفي يده
كأس بابونج ساخن
ويفكر في غده …
قالت الأم : في بادئ الأمر لم
أفهم الأمر. قالوا: تزوج منذ
قليل. فزغردت، ثم رقصت وغنيت
حتى الهزيع الأخير من الليل، حيث
مضى الساهرون ولم تبق إلا سلال
البنفسج حولي. تساءلت: أين العروسان؟
قيل: هناك فوق السماء ملاكان
يستكملان طقوس الزواج. فزغردت،
ثم رقصت وغنيت حتى أصبت
بداء الشلل
فمتى ينتهي، يا حبيبي، شهر العسل؟
سيمتد هذا الحصار إلى أن
يحس المحاصِر، مثل المحاصَر،
أن الضجر
صفة من صفات البشر
أيها الساهرون! ألم تتعبوا
من مراقبة الضوء في ملحنا؟
ومن وهج الورد في جروحنا
ألم تتعبوا أيها الساهرون ؟
واقفون هنا. قاعدون هنا. دائمون هنا.
خالدون هنا. ولنا هدف واحد واحد:
أن نكون.
ومن بعده نحن مختلفون على كل شيء:
على صورة العلم الوطني
ستحسن صنعاً لو اخترت يا
شعبي الحيّ رمز الحمار البسيط
ومختلفون على كلمات النشيد الجديد
ستحسن صنعاً لو اخترت أغنية عن زواج الحمام
ومختلفون على واجبات النساء
ستحسن صنعا لو اخترت سيدة لرئاسة أجهزة الأمن
مختلفون على النسبة المئوية، والعام والخاص،
مختلفون على كل شيء. لنا هدف واحد:
أن نكون…
ومن بعده يجد الفرد متسعاً لاختيار الهدف
عميقاً ، عميقاً
يواصل فعل المضارع
أشغاله اليدوية،
في ما وراء الهدف .. .
قال لي في الطريق إلى سجنه:
عندما أتحرر أعرف
أن مديح الوطن
كهجاء الوطن
مهنة مثل باقي المهن
بلاد على أهبة الفجر،
أيقظ حصانك
واصعد
خفيفاً خفيفاً
لتسبق حلمك،
واجلس _ إذا ما طلتك السماء _
على صخرة تتنهد
كيف أحمل حريتي، كيف تحملني؟ أين
تسكن من بعد عقد النكاح، وماذا
أقول لها في الصباح: أنمت كما ينبغي
أن تنامي إلى جانبي؟ وحلمتِ بأرض السماء؟
وهمتِ بذاتك. هل قمتِ سالمة من منامك
هي تشربين معي الشاي أم قهوة بالحليب؟
وهل تؤثرين عصير الفواكه، أم قُبلي؟
كيف أجعل حريتي حرّة ؟ يا غريبة !
لستً غريبك. هذا السرير سريرك. كوني
إباحية، حرة، لانهائية، وانثري جسدي
زهرة زهرة بلهاثك. حريتي! عوديني
عليك. خذيني إلى ما وراء المفاهيم كي
نصبح اثنين في واحد!
كيف أحملها، كيف تحملني، كيف أصبح سيدها
وأنا عبدها. كيف أجعل حريتي حرّة
دون أن نفترق؟
قليل من المطلق الأزرق اللانهائي
يكفي
لتخفيف وطأة هذا الزمان
وتنظيف حمأة المكان
سيمتد هذا الحصار إلى أن
نقلم أشجارنا
بأيدي الأطباء والكهنة
سيمتد هذا الحصار، حصاري المجازي،
حتى أعلم نفسي زهد المتأمل:
ما قبل نفسي بكت سوسنة
وما بعد نفسي بكت سوسنة
والمكان يحملق في عبث الأزمنة
على الروح أن تترجل
وتمشي على قدميها الحريريتين
إلى جانبي، ويداً بيد، هكذا صاحبين
قديمين يتقاسمان الرغيف القديم
وكأس النبيذ القديم
لنقطع هذا الطريق معاً
ثم تذهب أيامنا في اتجاهين مختلفين:
أنا ما وراء الطبيعة. أما هي
فتختار أن تجلس القرفصاء
على صخرة عالية
إلى شاعر: كلما غاب عنك الغياب
تورطت في عزلة الآلهة
فكن ” ذات” موضوعك التائهة
و ” موضوع ” ذاتك ،
كن حاضراً في الغياب
إلى الشعر: حاصر حصارك
إلى النثر: جرّ البراهين من
معجم الفقهاء إلى واقع دمرته
البراهين. واشرح غبارك.
إلى الشعر والنثر: طيرا معاً
كجناحي سنونوة تحملان الربيع المبارك
كتبت عن الحب في عشرين سطراً
فخيل لي
أن هذا الحصار
تراجع عشرين متراً! …
يجد الوقت للسخرية :
هاتفي لا يرن
و لا جرس الباب أيضاً يرن
فكيف تيقنت من أنني
لم أكن ههنا؟
يجد الوقت للأغنية:
في انتظارك، لا أستطيع انتظارك
لا أستطيع قراءة دوستويفسكي
ولا الاستماع إلى “أم كلثوم” أو ” ماريا كالاس”
وغيرهما. في انتظارك تمشي العقارب في
ساعة اليد نحو اليسار، إلى زمن
لا مكان له،
في انتظارك لم انتظرك، انتظرت الأزل
يقول لها: أي زهر تحبينه؟
فتقول: أحب القرنفل… أسود
يقول: إلى أين تمضين بي،
والقرنفل أسود؟
تقول: إلى بؤرة الضوء في داخلي
وتقول: وأبعد … أبعد.. أبعد.
إلى الحب: يا حب، يا طائر الغيب!
دعنا من الأزرق الأبدي وحمّى الغياب.
تعال إلى مطبخي لنعدّ العشاء معاً.
سوف أطهو، وأنت تصب النبيذ،
وتختار ما شئت من أغنيات تذكرنا
بحياد المكان وفوضى العواطف: إن
قيل إنك جنس من الجن… صدّق!
وإن قيل إنك نوع من الأنفلونزا… فصدّق!
وحدق إليك ومزق حجابك. لكنك الآن
قربي أليف لطيف تقشّر ثوماً، وبعد العشاء
ستختار لي فيلماً عاطفياً قديماً،
لنشهد كيف غدا البطلان هناك
هنا شاهدين
في الصباح الذي سوف يعقب هذا الحصار
سوف تمضي فتاة إلى حبها
بالقميص المزركش، والبنطلون الرمادي
شفافة المعنويات كالمشمشيات في
شهر آذار: هذا النهار لنا كله
كلّه، يا حبيبي، فلا تتأخر كثيراً
لئلا يحط غراب على كتفي…
وستقضم تفاحة في انتظار الأمل
انتظار الحبيب الذي
ربّما لن يصل
” أنا” أو “هو”
هكذا تبدأ الحرب. لكنها
تنتهي بلقاء حَرِج:
” أنا وهو”
” أنا هي حتى الأبد”
هكذا يبدأ الحب. لكنه
عندما ينتهي
ينتهي بوداع حرج:
” أنا وهي”
لا أحبك، لا أكرهك
قال معتقل للمحقق: قلبي مليء
بما ليس يعنيك. قلبي يفيض برائحة المريميّة،
قلبي بريء، مضيء، مليء،
لا وقت في القلب للامتحان. بلى،
لا أحبك. من أنت حتى أحبك؟
هل أنت بعض أناي؟ وموعد شاي
وبحّة ناي، وأغنية كي أحبك؟
لكنني أكره الاعتقال ولا أكرهك.
هكذا قال معتقل للمحقق: عاطفتي
لا تخصك. عاطفتي هي ليلي الخصوصيّ…
ليلي الذي يتحرك بين الوسائد حرّاً
من الوزن والقافية!
سيمتد هذا الحصار إلى أن يُنَقِّح
سادة ” أولمب ” إلياذة الخالدة
سيولد طفل، هنا الآن،
في شارع الموت… في الساعة الواحدة
سيلعب طفل بطائرة من ورق
بألوانها الأربعة
أحمر، أسود، أبيض، أخضر
ثم يدخل في نجمة شاردة
جلسنا بعيدين عن / مصائرنا كطيور
تؤثث أعشاشها في ثقوب التماثيل ،
أو في المداخن،
أو في الخيام التي نُصبت
في طريق الأمير إلى رحلة الصيد ….
إلى حارس: سأعلمك الانتظار
على باب موتي المؤجل
تمهل، تمهل
لعلك تسأم مني
وترفع ظلك عني
وتدخل ليلك حرّاً
بلا شبحي!
إلى حارس آخر: سأعلمك الانتظار
على باب مقهى
فتسمع دقات قلبك أبطأ، أسرع
قد تعرف القشعريرة مثلي
تمهل،
لعلك مثلي تُصفّر لحناً يهاجر
أندلسي الأسى، فارسي المدار
فيوجعك الياسمين، وترحل
إلى حارس ثالث: سأعلمك الانتظار
على مقعد حجري، فقد
نتبادل أسماءنا، قد نرى
شبهاً طارئاً بيننا:
لك أم
ولي والدة
ولنا مطر واحد
ولنا قمر واحد
وغياب قصير عن المائدة
على طللي ينبت الظل أخضراً،
والذئب يغفو على شعر شاتي
ويحلم مثلي،
ومثل الملاك
بأن الحياة هنا
لا هناك…
الأساطير ترفض تعديل حبكتها
ربما مسّها خلل طارئ
ربما جنحت سفن نحو يابسة
غير مأهولة،
فأصيب الخيالي بالواقعي…
ولكنها لا تغير حبكتها.
كلّما وجدت واقعاً لا يلائمها
عدّلته بجرّافة،
فالحقيقة جارية النص، حسناء
بيضاء، من غير سوء…
إلى شبه مستشرق: ليكن ما تظن
لنفترض الآن أني غبيّ، غبيّ، غبيّ
ولا ألعب الجولف،
لا أفهم التكنولوجيا،
ولا أستطيع قيادة طيارة!
ألهذا أخذت حياتي لتصنع منها حياتك؟
لو كنتَ غيرك، لو كنتُ غيري
لكنّا صديقين يعترفان بحاجتنا للغباء…
أما للغبيّ ، كما لليهودي في
” تاجر البندقية” قلب، وخبز
وعينان تغرورقان؟
في الحصار، يصير الزمان مكاناً
تحجّر في أبده
في الحصا، يصير المكان زماناً
تخلّف عن موعده
المكان هو الرائحة
عندما أتذكر أرضاً
أشم دم الرائحة
وأجن إلى نفسي النازحة
هذه الأرض واطئة، عالية
أو مقدسة، زانية
لا نبالي كثيراً بفقه الصفات
فقد يصبح الفرج،
فرج السماوات،
جغرافية!
الشهيد يحاصرني كلما عشت يوماً جديداً
ويسألني: أين كنت؟
وأعد للقواميس كلّ الكلام الذي
كنت أهديتنيه،
وخفف عن النائمين طنين الصدى!
الشهيد يوضّح لي: لم أفتش وراء المدى
عن عذارى الخلود، فإني أحب الحياة
على الأرض، وبين الصنوبر والتين، لكنني
ما استطعت إليها سبيلا،
ففتشت عنها بآخر ما أملك:
الدم في جسد اللازورد
الشهيد يعلمني: لا جماليَّ خارج حريتي
الشهيد يحذرني: لا تُصدّق زغاريدهنَّ
وصدّق أبي حين ينظر في صورتي باكياً:
كيف بدَّلت أدوارنا، يا بنيّ،
وسرت أمامي؟
أنا أولاً
أنا أولاً!
الشهيد يحاصرني: لم أغير سوى موقعي
وأثاثي الفقير،
وضَعتُ غزالاً على مخدعي
وهلالاً على إصبعي
كي أخفّف من وجعي
الشهيد يحاصرني: لا تَسِر في الجنازة
إلا إذا كنت تعرفني.
لا أريد المجاملة من أحد
سيشتد هذا الحصار
ليقنعنا
باختيار عبودية لا تضر،
ولكن بحرية كاملة
أن تقاوم يعني: التأكد من
صحة القلب والخصيتين،
ومن دائك المتأصل:
داء الأمل
وفي ما تبقّى من الفجر أمشي إلى خارجي
وفي ما تبقّى من الليل أسمع وقع الخطى داخلي
إذا مَرِض الحب عالجته
بالرياضة والسخرية
وبفصل المغني عن … الأغنية
الحصار يحولني من مغنٍ إلى …
وتر سادس في الكمان
إلى قارئ : لا تثق بالقصيدة،
بنت الغياب،
فلا هي حدس
ولا هي فكر
ولكنها حاسة الهاوية
الكتابة جرو صغير يعضّ العدم
الكتابة تجرح من دون دم
أصدقائي يعدون لي دائماً حفلة
للوداع، وقبراً مريحاً يظلله السنديان
وشاهدة من رخام الزمن
فأسبقهم دائماً في الجنازة:
من مات… من ؟
الشهيدة بنت الشهيدة بنت الشهيد
وأخت الشهيد وأخت الشهيدة كِنَّة
أم الشهيد حفيدة جد الشهيد
وجارة عم الشهيد الخ … الخ…
ولا شيء يحدث في العالم المتمدن،
فالزمن البربري انتهى،
والضحية مجهولة الاسم، عاديّة
والضحية.. مثل الحقيقة… نسبية
الخ… الخ…
هدوءاً، هدوءاً، فإن الجنود يريدون
في هذه الساعة الاستماع إلى الأغنيات
التي استمع الشهداء إليها، وظلّت
كرائحة البنّ في دمهم… طازجة
هدنة، هدنة لاختبار التعاليم:
هل تصلح الطائرات محاريث ؟
قلنا لهم: هدنة، هدنة لامتحان النوايا،
فقد يتسرب شيء من السلم للنفس!
عندئذ نتبارى على حبِّ أشيائنا
بوسائل شعرية.
فأجابوا: ألا تعلمون بأن السلام مع النفس
يفتح أبواب قلعتنا
لمقام الحجاز أو النهوند؟
قلنا: وماذا؟… وبعد؟
فناجين قهوتنا. والعصافير. والشجر الأخضر
الأزرق الظل. والشمس تقفز من
حائط نحو آخر مثل الغزالة…
والماء في السحب اللانهائية الشكل
في ما تبقى لنا من سماء،
وأشياء أخرى مؤجلة الذكريات
تدل على أن هذا الصباح قوي بهيّ،
وأنّا ضيوف على الأبدية .
بلاد على أهبة الفجر،
عما قليل
تنام الكواكب في لغة الشعر.
عمّا قليل
نودع هذا الطريق الطويل
ونسأل: من أين نبدأ؟
عما قليل
نحذّر نرجسنا الجبلي الجميل
من الافتتان بصورته: لم تعد
صالحاً للقصيدة ، فانظر
إلى عابرات السبيل
سلام على من يشاطرني الانتباه إلى
نشوة الضوء، ضوء الفراشة، في
ليل هذا النفق!
سلام على من يقاسمني قدحي
في كثافة ليل يفيض من المقعدين:
سلام على شبحي!
السلام كلام المسافر في نفسه
للمسافر في الجهة الثانية…
السلام حمام غريبين يقتسمان الهديل
على حافة الهاوية
السلام حنين عدوَّين، كلٌّ على حدة
للتثاؤب فوق رصيف الضجر
السلام أنين محبين يغتسلان
بضوء القمر
السلام اعتذار القوي لمن هو
أضعف منه سلاحاً، وأقوى مدى
السلام انكسار السيوف أمام الجمال
الطبيعي، حيث يفلُّ الحديد الندى
السلام نهارٌ أليف، لطيف، خفيف
الخطى، لايعادي أحد
السلام قطار يوحّد سكانه العائدين
أو الذاهبين إلى نزهة في ضواحي الأبد
السلام هو الاعتراف، علانية، بالحقيقة:
ماذا صنعتم بطيف القتيل؟
السلام هو الانصراف إلى عمل في الحديقة:
ماذا سنزرع عما قليل؟
السلام هو الانتباه إلى الجاذبيّة في
مقلتي ثعلب تغويان الغريزة في امرأة خائفة
السلام هو الآه تسند مرتفعات
الموشح، في قلب جيتارة نازفة
السلام رثاء فتى ثقبت قلبه شامة
امرأة، لا رصاص و لا قنبلة
السلام غناء حياة هنا، في الحياة،
على وتر السنبلة