إذا لم يقرب منك إلا التذلل

التفعيلة : البحر الوافر

إذا لم يقرِّبْ منك إلا التذلُّلُ

وعزَّ فؤادٌ فهو للبعد أحملُ

سلوناك لما كنتَ أوّلَ غادرٍ

وما راعنا في الحبِّ أنكَ أوّلُ

إذا أحدُ الحِبَّين كان ممرَّضاً

فأوفى الحبيبين الذي يَتَبدّلُ

وقالت مشيبٌ والجمالُ عدوُّهُ

فقلت خضبناه فأين التجمُّلُ

سوادان لكن مؤنسٌ ومنفِّرٌ

وما منهما إلا يحولُ فينصُلُ

وساترتُها سِنَّ الكمال بِصبغةٍ

رأتها فقالت صِبغةُ الله أفضلُ

وبغَّض خدّاً بالمشيب معنبراً

إليها عِذارٌ بالشبابِ مغلَّلُ

وكان بعيني شُعلةً وهو مظلمٌ

فصار بقلبي ظلمةً وهو مُشْعَلُ

سمحتُ ببذل العيش يا حارِ بعدكم

وكنت بكتمان النصيحة أبخلُ

وبتّ أرى أن الجفاء سَجيّةٌ

لكلّ خليلٍ والوفاءَ تعمُّلُ

وحَرَّم عزُّ الموسويِّ جوانبي

على الضّيم حتى جازها ما يحلِّلُ

أحقُّ بآمالي أخو كرمٍ أرى

بعينِ يقيني عنده ما أؤمِّلُ

ولما أتاح الدهرُ لي من لقائه

بشائرَ عَجلَى بالذي أتأجَّلُ

جلا ليَ وجهاً طالعاً من أُحبُّه

ومدّ يميناً حقُّها ما تُقَبَّلُ

فقلت أمصباحٌ أم الشمس أفتقت

وهذي اليد البيضاءُ أم فاضَ جدولُ

وناشرني ودّاً شككتُ لطيبه

أفغمةُ مسكٍ أم رداءٌ ممندَلُ

أبا القاسم استمتع بها نبويَّةً

تراجَعَ عنها الناسُ فيما توغَّلوا

محاسنُ إن سارت فقد سار كوكبٌ

بذكرك أو طارت فقد طار أجدلُ

تحدَّثَ عنها الناطقون وأصبحتْ

بها العيسُ تُحدَى والسوابقُ تصهَلُ

سما للعلا قومٌ سواك فلم تُنَلْ

سماؤك حتماً إن باعك أطولُ

وأغرى الكمالُ الحاسدين بأهله

قديماً ولكن داءُ شانيك أعضلُ

ألستَ من القوم استخفّت سيوفهم

رقابَ عِداً كانت على الموت تثقُلُ

طلوبين لحَّاقين عُصْمُ يلملمٍ

تَزاورُ عن أرماحهم ثم تنزِلُ

مشت فوق أنماط الملوك جيادُهم

وباتت بأعواد الأسرَّة تُعقَلُ

غلامُكمُ في الجحفل ابنُ عَجاجةٍ

مغيِّمةٍ من دَجْنها الدمُ يهطِلُ

يعانِقُ منه الموتَ عريانَ تحتها

شجاعٌ بغير الصبر لا يتنثَّلُ

وشيخُكُم في المحفِل ابنُ مهابةٍ

يوقَّرُ عزّاً بينكم ويبجَّلُ

غَنيٌّ ببادي رأيه عنه تَلِيِّهِ

صموتٌ كمكفىٍّ قؤولٌ فيفصِلُ

وكهلُكُمُ في فتكه وانبساطه

فتىً وفتاكم في الحجا متكهِّلُ

وأنتم ولاة الدِّين أربابُ حقّهِ

مُبِينُوه في آياته وهو مشكِلُ

مساقطُ وحيِ الله في جُحُراتكم

وبينكُمُ كان الكتاب يُنزَّلُ

يذادُ عن الحوض الشقيُّ ببغضكم

ويورَدُ من أحببتموه فينهَلُ

ختمتم على حرّ الخواطر أنه

لكم ما انتهى فكرٌ وأسمح مِقوَلُ

تؤدَّى فروضُ الشعرِ ما قيل فيكُمُ

وفي الناس إما جازَكم يتنقّلُ

نحمِّسُ من آثاركم وعلاكُمُ

وننسبُ من أحلامكم ونُغزِّلُ

لك الخير ظنّي في اعتلاقك عاذري

فلا تتركنْ يا حُرُّ وعدَك يُعذَلُ

لعمري وبعضُ الرَّيثِ خيرٌ مغبّةً

ولكن حسابُ الناس لي فيك أعجلُ

تشبَّثْ بها أكرومةً فيَّ إنها

كتابٌ يوَفَّى في يديك مسجَّلُ

وصبراً مضى شهر الصيام وغودرت

مغانيه حتى الحولِ تعفو وتعطُلُ

علمتُك حرّاناً عليه وبعضُهم

بفُرقته مستبشرٌ متهلِّلُ

تعفَّفتَ فاليومان عندك واحدٌ

وأحظاهما ما كان بالدِّين يُشغَلُ

تناهت بك الأيام حتى قد اغتدى

مهنِّيك عجزاً من مداهُنَّ ينكُلُ

فوالله ما أدري هل الدهر عارفٌ

بفضلك إلهاماً أم الدهرُ يَغفُلُ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

أمن كل حظ قل قسمي أقله

المنشور التالي

إذا عارض نحو أرض عدل

اقرأ أيضاً

أبا حسن أنت وشك الأجل

أَبا حَسَنٍ أَنتَ وَشكُ الأَجَل وَثُكلُ الغِنى وَاِنتِقالُ الدُوَل زَعَمتَ بِأَنَّكَ لَستَ الدَمارَ وَلَستَ العِثارَ وَلَستَ الزَلَل فَبَيِّن…