إذا صاحَ وفدُ السُّحبِ بالريح أوحَدَا
وراح بها ملأَى ثِقالاً أو اغتدى
فكان وما باراه من عَبَراتنا
نصيبَ مَحلٍّ بالجنابِ تأبَّدا
وما كنتُ لولاه ولو تربت يدي
لأحملَ في تُربٍ لماطِرِهِ يدا
خليليَّ هذي دارُ لمياء فاحبسا
معي واعجبا إن لم تُميلا فتُسعدا
نعاتب فيها الدهرَ لا كيف عتبُهُ
وأخلاقهُ إخلاقُ ما كان جَدَّدا
سلاها سقاها ما يُعيد زمانَها
وعيشاً بها ما كان أحلى وأرغدا
عهِدْنا لديكِ الليلَ يُقطَعُ أبيضاً
فلِمْ صار فيك الفجرُ يَطلُعُ أَسودا
فأين الظباء العامراتك بالظُّبى
ثِنىً وفُرادى غافلاتٍ وشُرَّدا
وليلُ اختلاط لو تغاضَى صباحُهُ
لما مازت الأيدي القِناعَ من الرِّدا
أبعدَ جلاءِ العين فيك من القذَى
أرى أثَراً أنَّي تلفتُّ مُرْمِدا
لعمرُ الجوى في رُفقتي بكِ إنه
يخامر قَرحانَ الحشا ما تعوَّدا
وقلتُ صَدىً قالوا الفراتُ الذي ترى
وهيهات غيرَ الماء ما نُقِع الصدَى
مضى الناسُ ممّن كان يعتدُّه الفتى
وما أكثرَ الباقين إن هو عدَّدا
وكان بكائي أنني لا أرى الأخَ ال
ودودَ فمَن لي أن أرى المتودِّدا
أمنعطفٌ قلبُ الزمان بعاطشٍ
يرى الأرضَ بحراً لا يرى فيه مَورِدا
تحمَّل شرقياً مع الركب شوقُهُ
وقد غار شوقُ العاشقين وأنجدا
له بين أثناء الجبالِ وأهلها
مَزَارٌ حَبيبٌ دونه طُرُقٌ عِدَا
وما بِيَ إلا أن أرى البدرَ ناطقاً
وثهلانَ شخصاً جالساً متوسِّدا
وليثَ الشرى تحت السُّرادق مُلبِداً
وبحرَ الندى فوق الأسرَّة مُزبِدا
وأن أدرك العلياءَ شخصاً مصوَّراً
هناك وألقى العزَّ جسماً محدَّدا
ومن بَلَّغتهُ الأوحدَ الكافِيَ المنَى
تَغَزَّلَ مَكفْيِاً وفاخرَ أوحدَا
لذاك اشتياقي ليس أن جازني له
على البعد إحسانٌ ولا فاتني نَدَى
مواهبهُ سارت لحالي كثيفةً
وشعريَ مطلوباً وذكرِي مشيَّدا
فمن نِعمةٍ خضراءَ تسبق نعمةً
له ويدٍ بيضاءَ لاحقةٍ يدا
فتى لم أجد لي غيره فأقول ما
أعمّ عطاءً من فلانٍ وأجودا
أنالَ وفي الأيام لينٌ وأيبستْ
فلم ينتقص ذاك النوالَ المعوَّدا
إذا بَلَغَ الزُّوَّارُ بابَك أُلقِيتْ
رحالُ ذليلٍ عَزَّ أو حائرٍ هَدَى
وقَلَّ من الآرابِ قُلٌّ ضممتَهُ
وقد جاز في الآفاق نَهباً مطرَّدا
تُغلَّقُ أبوابُ الملوكِ أمامَهُ
ويَرعَى لديها الجهلُ وهي لَقىً سُدَى
تدافعه آدابُها وأكفُّها
مدافعةَ السّرح البعيرَ المعبَّدا
كما شاءها كانت ببعدك دولةٌ
جفوتَ فقد صارت كما شاءها العِدا
فموكبها بعد السكينة نافرٌ
ومركبها صعبٌ وكان ممهَّدا
عَدَا الدهرُ فيها إذ نأيت بصرفه
وكان احتشاماً منك يمشي مقيَّدا
فإن يك ضَرَّت هجرةٌ بعثَ أحمدٍ
فقد حطَّ هجرٌ الرَّيّ رتبةَ أحمدا
تعزَّلَ عنها والمقاليدُ عنده
ووازرها والكَدُّ فيمن تقلَّدا
أيخشى ابن إبراهيمَ فَوت وِزارةٍ
وقد حازها سقفَ السماء وأبعدا
ولما بدت للعين وَقْصاءَ جهمةً
وكانت تريك البدرَ والظبيَ أجيدا
معنَّسة أفنيت عمرَ شبابها
فلم يبقَ إلا الشيبُ فيها أو الردى
نهضتَ على الإحسان فيها ولم تقم
وعيشِك إلا وهي تُزعَجُ مَقْعَدا
تزوّجتَها أيّامَ تُنكَحُ لذّةً
وسَرَّحتَ إذ كان النكاحُ تمرُّدا
وخلَّفتَها قاعاً يغرُّ سرابُها
يَدَيْ حافرٍ لم يُسْقَ منها سوى الكُدَا
قليلِ اطلاعٍ في العواقب لو درى
مَشقَّةَ ما في مَصدرٍ ما تورَّدا
تَلبَّسها جهلاً بأنك لم تكن
لتنزِعَها لو كنتَ تنزِعُ سؤدُدا
تحدّثني عنك الأماني حكايةً
بما أنا لاقٍ منك كالصوتِ والصدَى
وكم زائرٍ منّا حملتَ اقتراحَه
مضى ساحباً رِجْلاً وآب مقوَّدا
ومثليَ لو دوني أتاك بنفسه
ذُنابَى وولَّى عنك رأساً مسوَّدا
عسى عزمةٌ أشوتْ فمثَّلتَ كاتباً
يقرطسُ أحياناً فأمثُلُ منشدا
وقائلةٍ هل يدركُ الحظُّ قاعداً
فقلتُ لها هل يقطعُ السيفُ مغمَدا
سيلقَى بها الكافي عهوداً وثيقةً
لقد زادها الإسلامُ حقاً وأكّدا
رضيتُ وإن جدّ الجدوبُ تعفُّفاً
وعيشاً مع الوجه المصون مبدَّدا
ومَيلاً بنفسي عن لقاء معاشرٍ
أحتُّهُمُ صخراً وأعصِرُ جلمدا
أرادوا ببخلٍ أن يُذَمّوا فيُعرَفوا
خمولاً كما أعطيتَ أنت لتُحمَدا
أعالج نفساً منهُمُ مقشعِرَّةً
وأنفاً إذا شَمُّوا المذلةَ أصيدا
هو المنقذِي من شِرْك قومي وباعثي
على الرشد أن أُصفِي هواي محمدا
وتارك بيتِ النار يبكي شرارُهُ
عليَّ دَماً أن صار بيتيَ مسجدا
عليك بها وَصَّالةً رحِمَ الندى
إذا اشتمل الشعرُ العقوقَ أو ارتدى
هجرنا لها اللفظَ المقلقَلَ قربُهُ
إلى السمع والمعنى العَوانَ المردَّدا
يُخالُ بها الراوي إذا قام منشداً
بما ملك الإطراب قام مغرِّدا
لكم آلَ إبراهيم نُهدِي مدائحاً
وذمَّاً إلى أعدائكم وتهدُّدا
إذا عزَّ مُلكٌ أن يدوم لمالكٍ
وطال على ذي نعمة أن يُخلَّدا
فلا تعدَم الدنيا الوَساعُ مدبِّراً
يقوم بها منكم ولا الناسُ سيّدا