ضاق الرثاء بنا من فرط ما اتسعا

التفعيلة : البحر البسيط

ضاقَ الرِّثاءُ بنا من فرطِ ما اتَّسعا

كالماءِ طالَ عليهِ الوِرْدُ فانقَطَعا

الموتُ يَنبُعُ يوماً بعدَ ليلتهِ

وليسَ تَنبُعُ ألفاظٌ كما نَبَعا

في كلِّ يومٍ يُقالُ الصُّبحَ وا أسفا

قد ماتَ زيدٌ وعمروٌ في المسا تَبِعا

فوقَ التُّراب جِبالٌ من حِجارتهِ

وتحتهُ مثلُها مِنَّا قدِ اجتَمَعا

النَّاسُ للموتِ صيدٌ ظلَّ يأكلُهُم

نَهْماً ولكنهُ لا يَعرِفُ الشِّبَعا

والأرضُ تبتلِعُ الأجسامَ قاطِبةً

وجوفُها ليسَ يَملاهُ الذي ابتَلَعَا

هَوِّنْ على القلبِ غمَّا فيهِ أو فَرَحا

كلاهما عن قريبٍ يَذهبانِ مَعَا

مابينَ يومٍ وليلٍ نحنُ بينَهُما

تمضي ألوفٌ وننسى كلَّ ما وقعا

قد يزرَعُ الزَّرعَ منا غيرُ حاصدهِ

ويحصُدُ الزَّرعَ منَّا غيرُ من زَرعا

ويَجمعُ المالَ من بالكدِّ حصلَّهُ

دهراً ويُنفِقُهُ غيرُ الذي جَمَعا

اليومَ قد فاتَ إبراهيمَ منزِلَهُ

وضاعَ ما قد بَنى فيهِ وما صَنَعا

وخَلَّفَ الدَّارَ تشكو فَقْدَ صاحِبِها

والمالَ والأهلَ والأصحابَ والتَّبَعا

كانت لياليهِ كالأعيادِ حافلةً

بأوجُهِ الناس مُصطافاً ومُرتَبَعا

تَعشُو الوُفودُ إلى بابٍ لمنزلهِ

لا يَطلُعُ الفجرُ إلاّ وَهْوَ قد قُرِعا

قد كان في طِبِّهِ للنَّاسِ منفعةٌ

فإذا أتى الموتُ ذاك الطِّبُّ ما نَفَعا

وكان يُبرِي مِن النَّاسِ الجِراحَ فهل

يُبري جِراحَ فُؤَادٍ بعدهُ انصَدَعا

مَضَى إلى ربِّهِ الغفَّارِ مُعتمِداً

قُربَ الطريقِ التي فيها إليهِ سَعَى

ما زال سَبَّاقَ غاياتٍ بهمَّتِهِ

حتَّى لقد سبقَ الوقتَ الذي وُضعا

سارت إلى الله تلكَ النَّفسُ تاركةً

جسماً ثَوى في تراب الأرض مُضطَجِعا

كلٌّ إلى أصلهِ قد عاد مُنقلباً

فانحطَّ هذا وهذا طارَ مُرتفِعا


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

كريم قد تولاه الكريم

المنشور التالي

كيف هذي الدنيا وهذا الزمان

اقرأ أيضاً