حَمداً لِرَبٍّ جلَّ عَن نَديدِ
وَجَلَّ عن قَبائِحِ العَبيدِ
أُدينُهُ بِالعَدلِ وَالتَوحيدِ
وَالصِدقِ في الوَعدِ وَفي الوَعيدِ
ثُمَّ الصَلاةَ عَدَدَ الوَسمِيِّ
وَعَدَدَ الحَبِيِّ وَالوَلِيِّ
عَلى النَبِيِّ أَحمَد الزكيِّ
وَصنوِهِ الزاكي الوَصِي عَلِيِّ
وَآلهِ جَميع أَهلِ الزُلفَةِ
وَالدين وَالتَقوى وَأَهل الصِفَةِ
أَكرَمِ أَقوامٍ وَخيرِ عترةِ
أَفضلِ مَن أُخرِجَ من ذريَّة
قَصيدَةٌ قَد صاغَها مُوَحِّدُ
يَكمَدُ اِذ يُصغي إِلَيها المُلحِد
يُهدى الَّذي بِنورِها يَستَرشِدُ
هِدايَةً يَلوحُ فيها الجَددِّ
أَصغ إِلى وَصفي حُدوثَ العالَمِ
بِحُجَّةٍ كَحَدِّ سَيفٍ صارِم
كَم أَعجَزت من فَيلَسوفٍ عالِمِ
فَعادَ لِلحَقِّ بِأَنفٍ راغِمِ
جَميعُ ما نشهدُهُ مُؤَلَّفُ
مركَّبٌ مُنَوَّعٌ مُصَنَّفُ
وَفيهِ لِلصُّنعِ دَليلٌ يُعرَفُ
لِأَنَّهُ مدبَّر مُصَرَّف
ما بَينَ ماء الظَهرِ مِنهُ دافِقُ
حَتّى يَكونَ مِنهُ حَيٌّ ناطِقُ
فَها هُنا قَد ذَلَّت الخَلائِق
وَعَزَّ ذو العَرشِ القَديمُ الخالِق
ثُمَّ اِختِلافُ اللَيلِ وَالنَهارِ
وَمخرجُ الغروس وَالأَشجارِ
وَمَهبَط الثُلوجِ وَالأَمطارِ
جَميعُ ذا من صُنعةِ الجَبّارِ
وَالصُنعُ لا بُدَّ لهُ من صانِع
لا سِيَّما مَع كَثرَةِ البَدائِعِ
وَاِنَّما تَمَّ بِلا مُنازِع
وَالمُلكُ لا يَبقى عَلى التَمانُع
وَما لَهُ مِثلٌ من الأَمثالِ
وَلا لَهُ شَكل من الأَشكالِ
علا وَجلَّ غايَةَ التَعالي
دَلَّ عَلَيهِ مُتقَنُ الأَفعالِ
عَزَّ فَما تُدرِكُهُ الأَبصارُ
كَلّا وَلا تبلغُهُ الأَفكارُ
وَلا لَهُ كَيف وَلا اِستِقرارُ
وَلا لَهُ أَينٌ وَلا أَقطارُ
كانَ وَلا عَرشٌ وَلا مَكانُ
كانَ وَلا حَيثٌ وَلا زَمانُ
كانَ وَلا نُطقٌ وَلا لِسانُ
وَلا زبورٌ لا وَلا فُرقانُ
لَو كانَ مَحسوساً بِعَينِ ناظِرِ
لكانَ مَلموساً بِكف زائِرِ
وَكانَ ذا كُلٍّ وَبَعضٍ ظاهِرِ
وَكانَ ذا حدٍّ من المَقادِرِ
أَو صَحَّ أَن ينزلَ أَو أَن يَصعَدا
لَصَحَّ أَن يَنامُ أَو أَن يَسهَدا
وَصَحَّ أَن يَجلِسَ أَو أَن يَقعدا
وَصَحَّ أَن يولَدَ أَو أَن يَلِدا
في كُلِّ هذا فَالقِياسُ واحِدُ
إِذا أَصاخً عارِفٌ أَو ناقِدُ
بَلى هو الرَبُّ المَليكُ الماجِدُ
الصَمَدُ الفَردُ العَزيزُ الواحِدُ
العالِمُ الذاتِ القَديرُ الذاتِ
بَرى بِلا عَينٍ وَلا آلاتِ
وَهكَذا السامِعُ لِلأَصواتِ
لَيسَ كَقَولِ فرقة الصفات
فَاِنَّها في الحُكمِ كَالنَصارى
قَد أَصبَحت في دينِها حَيارى
وَحَصَّلَت في عَقدِها التَبارا
وَثَلَّثَت فَهيَ تَحوزُ النارا
قَد جَهلت في قِدَمِ القُرآنِ
كَمثلِ جَهلِ عابِدِ الصُلبانِ
قالَت قَديمٌ لَيسَ بِالرَحمنِ
وَصارَ هذا كَمسيحٍ ثاني
وَقد نَزَعنا كلَّ مَن يُثلِّثُ
وَكلَّ مَن عَهدَ اليَقينِ يَنكُثُ
وَكُلَّ مَن يُلحِدُ لَيسَ يَلبَثُ
وَقَولُنا إِنَّ القُرآنَ مُحدَثُ
فَهكَذا قَد جاءَ في التَنزيلِ
في مُحكَمِ القَولِ بِلا تَأويلِ
وَلا بِتَخريجٍ وَلا تَعليلِ
عَن خالِق الخَلقِ بِلا تَبديلِ
قَد خَلَقَ الخَلقَ إِلى العِبادَه
وَقَرَنَ الأَمرَ إِلى الإِرادَه
وَلم يُرِد من عَبدِهِ عِنادَه
وَلم يُحِبَّ نيةً فَسادَه
بَل أَوضَحَ الصِراطَ لِلنَجدَينِ
وَقالَ يا ذا العَقلِ وَالعَينَينِ
اِختَر طَريقَ الرُشدِ من هذَينِ
فَلَم أُحَيِّركَ بِقَول مَينِ
أَزاحَ كُلَّ عِلَّةٍ لِلطّاعَه
وَلم يُكَلِّفكَ بِلا اِستِطاعَه
قَدَّمَنا بِاللُطفِ لِلجَماعَه
وَاِنَّما الفائِزُ مَن أَطاعَه
هَدى ثَمودَ وَهيَ تَختارُ العَمى
أَما قَرَأتَ مُنزَلًا هذا أَما
اِسمَع وَلا تَجلب إِلَيكَ الصَمَما
فَقَد أَتى بَردُ اليَقينِ أَمَما
يُضِل عَن ثَوابَه أَعداءه
وَلم يُصَيِّرهُ لَه جَزاءَه
وَلم يُرِد في حالَةٍ اِغواءَه
بَل جَلَبَ الاِنسانُ ما قَد ساءَه
وَلَو أَرادَ رَبُّنا أَن يُشتَما
وَفَعَلَ الشاتِمُ ما قَد حَتَما
لَكانَ فيهِ طائِعاً قَد عُلِما
وَكان مَن عَذَّبه قَد ظَلَما
أَو كَلَّفَ الأَمرَ بِلا اِستِطاعَه
ما ذَمَّ مِن عَدُوِّهِ اِمتِناعَه
وَلا أَقامَ لِلعِقابِ الساعَه
أُفٍّ لِهذا القَولُ من شَناعَه
لَو كانَ كُلُّ شَسَعٍ من عِندِه
لَم يَكُ ذاكَ مُنكَراً مِن عَبدِهِ
فَإِنَّهُ مُتابِع لِقَصدِهِ
وَاِنَّهُ مُوافِق لِجهدِه
فَإِن يُجَدِّد مُجبَرٌ سؤالَه
بِالخُرقِ وَالحُمقِ وَبِالجهالَ
وَقلَّة الاِصغاءِ لِلدلالَه
وَكَثرَةِ الاِعجابِ بِالضَلالَه
فَقالَ هل يُفعَل ما لا يُؤثِرُ
إِذاً عَن المُلكِ العَظيمِ يقصرُ
فَقُل كَما يُفعَل ما لا يأمُر
وَهو المَليكُ وَالالهُ الأَقدَرُ
وَلَو أَرادَ مَنعَنا بِالقَسرِ
لكانَ سَهلاً ما بِهِ مِن عُسرِ
لكِنَّه اِسقاطُ بابِ الأَمرِ
وَفَتحُ بابِ الجَبرِ ثُمَّ الكُفرِ
وَلَيسَ ذا مُستَحسَناً في العَقلِ
اِن لَم يَكُن يَسلُك نَهجَ الجَهلِ
هذا بَيانٌ لِرِجال الفَضلِ
وَكلِّ مَن أَصغى لِقَولٍ فَصل
قَد خالَفوا في القَدَرِ المَذمومِ
وَأَثبَتوا لِلواحِدِ الكَريمِ
وَقد نَفَيناهُ عن الحَكيمِ
بِغايَةِ التَنزيهِ وَالتَعظيمِ
وَالحَكَمانِ مَوضِعُ الآثامِ
إِذ يُجعَلانِ صَفوَةَ الأَنامِ
عَلَيهُما لعائِنُ العَلّامِ
تَترى عَلى التَمامِ وَالدَوامِ
وَتَمَّت الأَبياتُ بِالرَشادِ
عَلى اِرتِجالٍ مِن فَتى عَبّادِ
قَد صَدَرت مِن خالِص اِعتِقادِ
بِالخيرَة وَالتَوفيقِ وَالاِسعادِ