أَبْصَرْتُ في أَحَد المتاحِفِ مَرَّةً
مَنْحُوتَةً من أَوَّلِ العَصْرِ الوَسِيطِ
أَظُنُّ صَدْرَ كَنِيسَةٍ أو مَذْبَحاً
عَرْشاً كبيراً خَالِياً
نُحِتَتْ عَلَيْهِ بُرْدَةٌ مَطْوِيَّةٌ
وَعَمَامَةٌ أو تَاجُ غَارْ
عَرْشٌ خَلِيٌّ يَسْأَلُ الزُّوَّارَ عَنْ أَرْبَابِهِ
وَقَدِ اْسْتَعَاضَ عَنِ المليكِ بِتَاجِهِ وَثِيَابِهِ
وَقَرَأتُ في الشَّرْحِ المصَاحِبِ أَنَّها
مِنْ أَنْدَرِ القِطَعِ التي
يَبْدُو بِها عِيسى المسيحُ مُمَثَّلاً بِغِيَابِهِ
فَرَأَيْتُ تِمْثَالاً رُخَامِياً لِفِكْرَةِ الانْتِظَارْ
وَرَأَيْتُ أَنَّ العَرْشَ أَجْمَلُ وَهْوَ خَالٍ
أَوْ هُوَ العَرْشُ الذي فِيهِ مُلُوكٌ مِنْ خَيَالٍ
آمِنٌ مِنْ كُلِّ خَيْبَاتِ الأَمَلْ
خَيْرُ الجَمَالِ هُوَ الجَمَالُ المحتَمَلْ
وَالنَّقْصُ أَشْبَهُ بِالكَمَالِ مِنَ الكَمَالِ
وَرُبَّ قَوْلٍ عِنْدَمَا نَقَصَ اْكْتَمَلْ
وَلِذَا تَرَى أَنَّ الهِلالَ لَهُ مَعانٍ لَسْنَ في بَدْرِ الدُّجَى
يا صَاحِبَ العَرْشِ الخَلِيِّ المرْتَجَى
إنِّي أَرَى مَنْ مَثَّلُوكَ تَمَثَّلُوكْ
تَرَكُوكَ قَوْلاً غَامِضَ المعْنَى وَلَمْ يَتَأَوَّلُوكْ
وَلِكُلِّ عَرْشٍ هَيْبَةٌ يا صاحِبِي
لَكِنَّ أعظَمها
هُوَ العَرْشُ الخَلِيُّ مِنَ الملُوكْ
صَعْبٌ عَلَى الشُّعَرَاءِ مَدْحُ الصَّبرِ في بَلَدِي
فَأَهْلي صَابِرُونَ عَلَى الزَّمَانِ كَأُمِّهِ
لكِنَّني وَأَنَا أَقَلُّ النَّاسِ صَبْراً
سَوْفَ أَمْدَحُ الانْتِظَارَ عَلَى مَرَارَةِ طَعْمِهِ
فَمَرَارَةُ الصَّبْرِ التي هِيَ مَضْرِبُ الأَمْثَالِ
مَرْجِعُها إلى أَنَّ انْتِظَارَ المرْءِ
يَجْعَلُ عُمْرَهُ صَوْماً
فَيَطْلُبُ أَنْ يُعَوِّضَهُ الزَّمَانُ بِجَنَّةٍ عَنْ صَوْمِهِ
والدَّهْرُ لَيْسَ جَنَائِنِياً لا ولا غَرْسُ النَّوَى مِنْ عِلْمِهِ
مَنْ كَانَ ذا حُلمٍ وطالَ بِهِ المَدَى
فَلْيَحْمِهِ
وَلْيَحْمِ أَيْضاً نَفْسَهُ مِنْ حُلْمِهِ
فَالحُلْمُ يَكْبُرُ أَدْهُراً في يَوْمِهِ
وَيَزِيدُ دَيْنُ الدَّهْرِ حَتَّى يَسْتَحِيلْ
فَتَرَى اْبْنَ آَدَمَ رَاضِياً من أَيِّ شَيْءٍ بِالقَلِيلْ
لا تَقْبَلُوا بالقُبْحِ يا أَهْلِي
مُكَافَأَةً عَلَى الصَّبْرِ الجَمِيلْ
فَالصَّبْرُ طُولَ العُمْرِ خَيْرٌ
مِنْ خَلاصٍ كَاذِبٍ
مَا فِيهِ مِنْ صِفَةِ الخَلاصِ سِوَى اْسْمِهِ
إنَّ انتظارَ النَّاسِ في بَلَدِي
شَبِيهٌ بانتظارِ القَوْسِ
لَسْعَةَ سَهْمِهَا في الرِّيحِ
أَوْ هُوَ كَانْتِظَارِ السَّهْمِ للقوسِ التي تَرْمِيهِ أَنْ تَتَرَنَّمَا
في الانْتِظَارِ هُنَا رَنِينُ تَوَتُّرٍ
مِثْلُ الحرارةِ في المريضِ تَقُولُ إنَّ الجِسْمَ فِيهِ صِحَّةٌ
لِيُقَاوِمَ المرَضَ الدَّخيلَ وَيَسْلَمَا
هذا انتظارٌ لا يُضَاهِيهِ اْنْتِصَارٌ رُبَّمَا
شَتَّانَ مَا بَيْنَ اْنْتِظَارٍ
مِثْلِ هَذَا أَيُّهَا الشَّعْبُ النَّبيُّ وَبَيْنَ مَا قَدْ أَمَّلُوكْ
فَلتَحْمِ تَاجَ الشَّوك مِن ذَهَب الهَياكِلِ والصُّكُوكْ
لَكَ لا لِغَيْرِكَ يَصْلُحُ العَرْشُ الخَلِيُّ مِنَ الملُوكْ
يَا أَيُّها الملِكُ الذي قَدْ مجَّدُوكَ لِيَعْزِلُوكَ وَيَقْتُلُوكْ
أَنْتَ الجَمِيلُ وَلَسْتَ مُحْتَاجاً إلى صَلَوَاتِهِمْ لِيُجَمِّلُوكْ
يا أيُّها الأَمَلُ الحقيقيُّ الذي
تَرَكُوهُ مَصْلُوباً بِقَارِعَةِ الطَّرِيقِ
ومرَّ عَنْكَ النَّاسُ لَمْ يَتَأَمَّلُوكْ
يَا أَيُّها الطِّفْلُ الذي مِنْ بَيْت لَحْمٍ
لا تَظُنَّ بَأَنَّهُم يبغونَ عودتَكَ الجليلةَ هَا هُنا
واللهِ لو عَلِمُوا بِأَنَّكَ قَادِمٌ حَقاً
لخَاضُوا أَلْفَ حَرْبٍ مُرَّةٍ
لِيُؤَجِّلُوكْ
حَتَّى إذا مَا جِئْتَ تَسْأَلُهُمْ
عَنِ العَرْشِ الذي قد كَانَ عَرْشَكَ
بَعْدَما جَلَسُوا عَلَيهِ يا كريمَ الوَجْهِ فَاعْلَمْ
أنَّ جُلَّ القَوْمِ لَنْ يَتَحَمَّلُوكْ
وَلَكَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ تَتْرَى والسَّلامْ
وعِنايَةُ الرَّحْمَنِ مَا نَادَى الحَمَامُ عَلَى الحَمَامْ
يا صَاحِبَ العَرْشِ الخَلِيِّ مِنَ الملُوكْ