الخطابة, في معظمها الآن هي فنّ ابتذال
المهارة. طبل يناجي طبلاً في ساحة كلما
اتسعت, وجد الصوت متسعاً لامتلاء
الصدى بضجيج الفراغ. يتلقفه الخطيب
ليحشوه بمزيد من هباء المعنى. الصوت,
لا الكلام , هو السيد مرفوعاً على صدى
تحميه الأكف من خطر السقوط على الحقيقة.
الخطابة ليست ما يريد الخطيب ــ المهرج قوله,
فالصوت يسبق القول الغائب, والخطبة
هي الغاية … هي ما ترتجله الغريزة
من حماسة الفتك بالخصم, وما يعجب
مشاهدي مصارعة الثيران الساديين من
نصال فارس بلا فروسية. الخطابة هي
إعدام المعنى في ساحة عامة. المبتدأ يبدأ
بعد استراحة الصوت القصيرة لارتشاف جرعة
ماء. أما الخبر المتأخر فهو متروك للارتجال
المتبخر الذي تسنده آية قرآنية أخرجت
من سياقها, أو بيت شعر قاله شاعر في
مدح أمير أمويّ ظنه الخطيب عباسياً, فأثار
التصفيق. التصفيق هو المبتغى والقصد,
يستعيد خلاله الخطيب اللاأفكار القادمة عليه
من المشهد, فيبتسم كمن يكافئ جمهوره
على حسن ظنهم بذكائهم المكتسب من فائض
ذكائه, ويمنحهم نكتة تنوس بين الفكاهة
والتفاهة, فيضحكون ويضحك. الخطابة هي
تأليب الضجر على الضجر ببلاغة الشكوى مما
لحق بالأمة من خطر الضجر. يخلع الخطيب
معطفه ليدل الجمهور على موضع ضميره الحي.
يضع يده في جيب بنطاله بحثاً عن فكرة,
ويتحرك يميناً ويساراً لأنه حائر في تمايز
القوم. فإن كانوا يمينيين صدقوه, وإن كانوا
يساريين صدقوه. ثم يعود إلى منزلة بين
المنزلتين. ولا يكف عن ترديد كلمة: صدقوني!
الخطابة هي الكفاءة العالية في رفع الكذب
إلى مرتبة الطرب. وفي الخطابة يكون “الصدق
زلة لسان”
اقرأ أيضاً
ثلج
تكثَّفَ الهواءُ الأبيض، وتباطأ وانتشر كالقطن المنفوش في الفضاء. وحين لامس جسَدَ الليل أضاءه من كل ناحية. ثلج.…
إن التفاسير في الدنيا بلا عدد
إن التفاسير في الدنيا بلا عدد وليس فيها لعمري مثل كشافي إن كنت تبغي الهدى فالزم قراءته فالجهل…
فانظر بتوضح باكر الأحداج
فَاِنظُر بِتوضِحَ باكِرَ الأَحداجِ وَنَوىً تَقاذَفُ غَيرُ ذاتِ خِداجِ بِنَوى الأَحِبَّةِ دائِمُ التَشحاجِ
ذاد عن مقلتي لذيذ المنام
ذادَ عن مُقْلِتي لذيذَ المنامِ شُغلها عنهُ بالدموعِ السجامِ أيُّ نومِ من بعد ما حل بالبصْ رَةِ من…
أيها العاذلان لا تعذلاني
أَيُّها العاذِلانِ لا تَعذِلاني في مُناساةِ خِلَّةِ الإِخوانِ مَرِضَ الوِدُّ وَالإِخاءُ وَبادا فَدَعاني مِنَ المَلامِ دَعاني
هربت من موطني إلى بلد
هربتُ من موطني إلى بلدٍ قد صفر الجوع فيه منقاري يقول قومٌ فر الخسيس ولو كان فتى كان…
سلب الشباب رداءه
سلب الشباب رداءه عني وأَتبعه إزاره وَلَقَد يحل عليَّ حلته فيعجبني فخاره ولقد لبست جديده حينا فلا يبعد…
فلا تمكن الأيام من أن تمسني
فَلا تُمكِنِ الأَيّامَ مِن أَن تَمَسّني فَمَهما تَمَسَّ الحُرَّ تَمسَسهُ بِالضُرِّ وَأَنتَ بِحَمدِ اللَهِ أَعدَلُ حاكِمٍ فَلا تَرفَعَنَّ…