مركب علي النيل. يوم الثلاثاء. قهوة
وشاي ودخان سجائر. وكلام عن الدنيا
التي لا نعرف غيرها. أما ما يتخيله كل
واحد من المتحلقين حول نجيب محفوظ عما
وراء الدنيا، فيتقاسمه سرا مع طيور
تحلق فوق نهر الأبدية. وهو، هو
المستمع بأذن انتقائية، تأخذ الكلمات وقتها في
الوصول إليه، لا يريد للمريدين أن
يفسروا كلامه المتقشف بأكثر مما فيه.
يعرف من المدائح ما يكفي ليجعل العبث
زهدا. ولا يريد لأحد أن يحدق إلى
صنم أو منحوتة. لكننا نحج إليه، لا
لنعرفه… فقد امتلأنا برواياته وتقمصنا
شخوصها، بل لنحييه علي ما كتب، ولنحيي
أنفسنا جالسين بحضرة أسطورة حية خرجت
من مخطوطة فرعونية. رأيت نساء قادمات
من أقاصي حرف الضاد يقبلن يده، فيخجل
ولا يعرف السبب، كأنه هو ولا هو
في آن واحد. ثم يضحك ضحكة عالية، ويطلب
سيجارة حان وقتها ليبدد بسحابة
دخانها قداسة لا يصدقها ماكر مثله،
وللناس التأويل. عاش ليكتب. ومنذ
طعنه خنجر في الرقبة تخلي عن سرد
التفاصيل بدأب النملة، واختار تقطير
النحلة. من يومها، ونحن نجيء إليه
مودعين، فالحياة انتبهت إلي نقصانها وسئم الموت
التأجيل… دون أن نشي بذلك،
ونحن من حوله في مركب علي النيل،
يوم الثلاثاء! لكن يوم الثلاثاء لم يعد موعدنا!
اقرأ أيضاً
يا مددي حين خانني مددي
يا مَددي حين خانني مددي وعُدَّتي إذ تعذَّرت عُددي ناشدتك اللّه والحفاظَ وإحْ سانك بي أن تَفُتَّ في…
ألا رب محتال عذل غدا
أَلا رُبَّ مُحتالِ عَذلٍ غَدا يَجُرُّ إِلَيَّ ذُيولَ الطَمَع فَأَبرَمَ سَمعي بِتَطويلِهِ وَضَيَّقَ صَدري بِما قَد صَنَع فَوَشَحتُ…
عجبا لفودي بعد فقد شبيبتي
عَجَباً لِفَودي بَعدَ فَقدِ شَبيبَتي وَكَأَنَّ نورَ الشَيبِ فيهِ قَتامُ لَمّا نَضَت عَنهُ اللَيالي صِبغَها خَلَعَت عَلَيهِ شَبابَها…
فارقت ربع بني الحداد منتقلا
فارَقتَ ربعَ بني الحدَّادِ مُنتقِلاً عَنهُمْ إلى جنَّةٍ أبقَتْ لهم جَسَدكْ فقيلَ قِفْ وَسْطَ دارٍ أرَّخوكَ بها وانظُرْ…
مجبر صير ابنه ناصبيا
مجبرٌ صيَّر ابنه ناصبياً مجبراً مثله وتلك عجيبه ليس يرضى أن يدخل النار فرداً ساعة الحشر أو يقود…
رأى صحبي بكاظمة
رأى صَحبي بِكاظِمَةٍ سَنا نارٍ عَلى بُعدِ وَفيمَنْ يَستَضيءُ بِها فَتاةٌ صَلْتَةُ الخَدِّ وَتُذكيها عَلى خَفَرٍ بِأَعوادٍ مِنَ…
تهادت أهيل الأبرقين المراحل
تهادت أهيل الأبرقين المراحل وأقوت خيام منهم ومنازل ولا قلب مذسار الموادع وادع ولا عيش مذ طال التفرق…
حصن فجرت به للناس نهر ظبا
حِصنٌ فَجَرتَ بِهِ لِلناسِ نَهرَ ظُباً لَمّا دَعَوتَ إِلَيهِ الهامَ سِربَ قَطا عَدُّوهُ نَجماً فَلَولا أَن يُقارِنَهُ مِن…