ألا لِلّه عاقبة الأَمورِ
وَعاقِبَةُ الرضى فَوز الصَبورِ
إِذا ضيق ألمَّ بِصَدر حرٍّ
عَلَيهِ بِالزِيارَة لِلقُبورِ
عَلَيهِ أن يَزور هُناك لَحداً
عَلَيهِ تَرفّ أَجنِحَةُ النُسورِ
ثَوى فيه كديش عَزيز قَومٍ
رَفيع المَجد كَالعلم الشَهيرِ
كديش كان ذا صَبرٍ إِذا ما
رَماهُ الجوع بِالأَمر العَسيرِ
وَكانَ عَلى مَشَقّة كُلّ أينٍ
صَبوراً عِندَ مُشتدِّ الهَجيرِ
عَزيز النَفس كانَ طَليق عَيش
فَأَصبَح بِالإِهانَةِ كَالأَسيرِ
وَكانَ إِذا أَلَمَّ بِهِ اِضطِرارٌ
لِأَجل التبن يقنع بِاليسيرِ
وَكانَ يَودّ لَو في العُمر يَوماً
رَأى في نَومِهِ طَيف الشَعيرِ
وَكانَ إِذا بِهِ ظمأ تَناهى
يَخوض مِن التَجلُّد في بُحورِ
تَوفّى وَهوَ في ضنك يُنادي
أَلَيسَ لِمُستَجير مِن مُجيرِ
أَلَيسَ مَن اِستَغاثَ بِهِ طَنيب
وَلبّاه سَيظفر بِالأُجورِ
رَمَتهُ يَد الخطوب فَصيّرته
طَعاماً لِلوُحوش وَلِلطُيورِ
وَلَمّا أَن قَضى هَرَعَت إِلَيهِ
بَنو جسّاس بالجمّ الغَفيرِ
كَأَنَّ لَهُم دَعَت أَفراح عُرس
فَجاؤوا بِالطُبول وَبِالزُمورِ
فَمنهم مُسرِعون لَهُ مشاة
وَبَعضهُم عَلى عرج الحَميرِ
يُنادون البدار فَلو تَراهُم
إِذ اِنقَضّوا عَلَيهِ كَالصُقورِ
وَقَد سَلّوا الحَوافر مِن نِعالٍ
كَما سَلَخوا الجُلود مِن الشُعورِ
فَوا أسفي وَيا كدري وَحُزني
عَلى عُنق حَكى عُنق البَعيرِ
وَيا أَسَفي عَلى ذَنبٍ طَويل
رَخيم اللَمس أَنعَم مِن حَريرِ
وَيا أَسَفي عَلى جسدٍ نَحيف
وَيا أَسَفي عَلى طَرف حَسيرِ
وَيا لَهف القراد عَلَيهِ حُزناً
وَيا لهف الذباب المُستَطيرِ
فَكَم قَد كانَ ذا كَدٍّ وَجدٍّ
وَنَفع للكَبير وَلِلصَغيرِ
وَكَم سَوط لَهُ صَوت عَليه
وَندب في الأَصائل وَالبُكورِ
وَأَقلام العصيِّ لَها صَرير
بطرس أَديمه فَوقَ السُطورِ
إِذا ضربت خماساً في سُداس
عَلى أَعضاه تَرجع بِالكُسورِ
لَقَد نَشَبَت مَخالبها المَنايا
بِهِ فَرأى الحَياة مِن الغُرورِ
وَقَد أَوصى لِصاحبه برحل
وَجُلٍّ أَخلقته يَد الدُهورِ
وَأَوصى بِالحزام لَهُ وَلَكن
لِيلبس كَالوشاح عَلى الخُصورِ
وَأَوصى بِاللجام وَكان مِمَّن
يَرى حفظ الزمام إِلى العَشيرِ