هو البرق ممَّا راعها وشجاها
فهيَّج منها داءها وأساها
وممَّا جوًى تطوي عليه ضلوعها
بكت بدمٍ قان فطال بكاها
حكت بلسان الحال حتَّى وددتني
أقبِّل من تلك المطيَّة فاها
جوًى مثل ما بي أو يزيد بزعمها
وهيهات منِّي وجدها وعناها
فقلتُ لها لا فاتك الوِرد صافياً
ولا حبست عنك السَّماء حياها
وروّضت من أكناف نجد رياضها
وحقّ لنفس الحرّ عنك رضاها
سقاها من النجب الكرائم ناقةً
وأكرم منها أُمَّها وأباها
تعاف النمير العذب يمزج بالقذى
وتختار في ريّ الهوان صداها
تجافت عن الدار الَّتي تنبت الأَذى
وها قد نأتْ عن مثلها لسواها
لقد سرَّها أن لا تساء فأرقلت
إلى حيث مثوى الأَكرمين حماها
فجاوزت البيداء غير مروعة
كأَنَّ المنايا قصدها ومناها
تباعد ما بين الخطا فكأَنَّما
تَبوعُ الفلا أخفاقها بخطاها
تهيم بأعلام المحصّب من مِنًى
وآفة نفس المستهام هواها
عليها من الفتيان من لا تروعه
مكابدة الأَهوال حين يراها
رماه إباء الضَّيم في كل مهمة
يروع العفرنى أن يجسَّ ثراها
من الصيد لا يستصعب الحتف إنْ دنا
ولا باتَ يشكو للخطوب أذاها
ويأنف أنْ يُلقي القياد لنكبة
يرى فرج الله القريب وراها
إذا همَّ لا تنبو مضارب عزمه
ولا فل أحداث الزَّمان شباها
تَصَفَّحَ يرتاد المنازل في اللّوى
ويطلب فيها مرتعاً ومياها
ولم ينأ عن دار القلى باختياره
ولكن جَفَتْهُ أهلها فجفاها
قليل ائتلاف الجفن من سنة الكرى
فلو راودته مرَّةً لعصاها
ولا بكثير الالتفات إلى الَّتي
نأى ماضياً عنها فعزَّ عزاها
لقد شامَ برقاً بالحمى غير ممطر
فأعرض عن أنوائها بنواها
وحَثْحَثَها واللَّيل يبدي ظلامه
إلى عين هادي من يضلّ عماها
وسارَ بها إذ ذاك في كلِّ مهمه
وليسَ إلى غير العلاء سراها
يذكّرها بالرقمتين منازلاً
مراتعها أعلامها ورباها
رعتْ من خزاماها وفازت بمائها
سقاها شآبيب الحيا ورعاها
هلُمِّي بنا يا ناق نذكر ما مضى
ونبكي شؤوناً لا يفيد بكاها
وأيَّامنا في الربع والربع آهل
فواهاً لتلك الماضيات وآها
مضى وانقضى عهد الأَحبَّة في القنا
وقد نفرت أسرابها ومهاها
فكيف إذنْ يا ناق ترجع جيرة
يقرُّ لعيني أنْ يلُوح سناها
بعيشك هل تدرين من أنا طالبٌ
ولم تدرِ في ماذا يكون حداها
أرومُ ربوعاً يهتدى لبيوتها
بنور محيَّاها ونار قراها
وما افتقرت في النَّاس من أحدٍ يدٌ
إذا كانَ من عبد الغنيّ غناها
له الخير مجبول على الخير كلّه
وخير الورى من لم يزل لرجاها
قلم يبقَ من أكرومة ما أجادها
ومنقبةٍ ما حازها وحواها
مباني الكرام الأَوَّلين تهدَّمت
فأَعلى مبانيها وشادَ بناها
عزيزٌ عزيز النَّفس إنْ ضيمَ جاره
فداها إذَنْ في نفسه ووقاها
له الفتكات البكرُ تشهَدُ أنَّه
عصاميُّها المعروف وابنُ جلاها
تقلَّد عزماً مثلَ إفرندِ عضبه
إذا اعترضته النائبات براها
هو الغيث يوم الجود واللَّيث في الوغى
فغيث نداها كفَّ ليث وغاها
إذا كانَ كجد كانَ منه عماده
وإن كانَ حربٌ كلن قطب رحاها
متى شاءَ أوراها وأثقبَ زندها
وشبَّت بفرسان الرِّجال لظاها
أحلي بذكراه القوافي أصوغها
ألا إنَّما ذكر الكرام حُلاها
تأرج في النَّادي بذكر جميله
وإنْ كانَ ندي النسيم شذاها
وإنِّي لأهديها إلى خير ماجدٍ
نعم إنَّه مصباحها وهداها
إلى الغاية القصوى وأيَّة غاية
علا مستطيلاً شأوها وذراها
سما غير ممنوع إلى كلِّ سؤددٍ
فلو رامَ أنْ يرقى السَّماء رقاها
إلى أينَ تبغي بالأُبوَّة والعلى
بنفس جميع النَّاس دون علاها
تعاليت حتَّى انحطَّ من دونك الورى
فكنت ثرياها وشمسُ ضحاها
فداؤك عبدٌ أنتَ مالكُ رقِّهِ
بأيدي كريمٍ يستفاض نداها
فشكراً لما أوليت من نعمة بها
توليتُ مالاً من نداك وجاها
وَجَدْتُ على دنياً أضاعت عوارفي
وما انتاش أبناءَ الزَّمان لقاها
ووجدي على هذا الزَّمان سفاهةً
وعتبي على القوم اللّئام سفاها
ولو كانت الأيام تعقل ما أتتْ
إذَنْ لنهاها عقلها ونُهاها
لها الحظّ من مثلي وجودي بمثلها
وحظِّي منها هجرها وقلاها
إليك أبا محمود أشكو حوادثاً
كثيراً على الحرِّ الكريم أذاها
أمنِّي بها النفس الأَماني ضَلَّةً
وتمنعني من عودها وجناها
وتلسعني فيها أفاعٍ قوارعٌ
وما عرف الرَّاقون كيف رقاها
أرى هذه الدُّنيا لمن ذلّ أصبحَتْ
ذَلولاً ولو كانَ الأَبيُّ أباها
تسنّمها من كانَ من دون خفّها
وكنَّا نراه تحتها فعلاها
وما بحتُ بالشكوى وفيَّ بقيَّةٌ
من الصَّبر إلاَّ وانتهت وتناهى
وعلمك بي يخبرك عنِّي فما الَّذي
أقول بأحوالي وأنْتَ تراها
وما هي إلاَّ مهجة شفَّها الصَّدى
إذا هي تستسقي نداك سقاها
وإلاّ تلافاني بلطفك لم تكد
بوادر حظِّي أن تروح تجاها
جزتك جوازي الخير من متفضِّلٍ
دَعَته الأَماني فاستجاب دعاها
فأنت بعصرٍ لا خلت منك أهله
خليق السَّجايا بالجميل خلاها
نَشَرْت به صُحفَ المكارم والنَّدى
ومن بعد ما قد لفَّها وطواها