يُلحى الزَمانُ وَما عَلَيهِ مَلامُ
يَجني القَضا وَتُعَنَّفُ الأَيامُ
أَعيا البَسالَةَ وَالحِذارَ حَبائِلٌ
سِيّانِ فيها الأُسدُ وَالآرامُ
يودي الرَدى بِمُسالِمٍ وَمُحارِبٍ
يُقوي الكِناسُ وَتُقفِرُ الآجامُ
قُل لِلمَنونِ لَئِن عَظُمتِ خَطيئَةً
فَلَقَد أَصابَ سُدادُكِ المُعتامُ
أَنّى اِهتَدَيتِ حَظِيَّةِ سُؤدَدِ
قَد ضَلَّ عَنها الصُبحُ وَالإِظلامُ
مَحجوبَةُ الشَخصِ الكَريمِ وَفَضلُها
كَالفَجرِ لا يُلقى عَلَيهِ لِثامُ
لَو رامَها غَيرُ القَضاءِ لَكانَ في
أُسدِ الهَياجِ تَخَمُّطٌ وَعُرامُ
وَلَكانَ في حَدَقِ الرِماحِ تَشاوُسٌ
وَلِأَلسُنِ البيضِ الرِقاقِ خِصامُ
ها إِنَّهُ الرُزءُ الَّذي ثَقُلَت بِهِ
نُوَبٌ وَخَفَّت عِندَهُ الأَحلامُ
هَيهاتِ ما بَرقُ الجَوانِحِ خُلَّبٌ
فيهِ وَلا مُزنُ الجُفونِ كَهامُ
أَمّا العَزاءُ فَقَد غَدا مُتَنَكِّراً
فَكَأَنَّما حَسَناتُهُ آثامُ
يا بَرَّةً لَمّا اِنطَوى إِحسانُها
تاقَت إِلَيهِ الصُحفُ وَالأَقلامُ
تَرضى نُفوسٌ أَن تَكونَ لَكِ الفِدا
فَتَذود عَنكِ وَإِنَّها لَكِرامُ
لَو أَنَّ شَمسَ الأُفقِ دونَكِ أُدرِجَت
ما كانَ حَقُّ المَجدِ فيكِ يُقامُ
أَوحَشتِ شَهرَ الصَومِ حَتّى قَد بَدَت
لِلبَثِّ فيهِ وَلِلأَسى أَعلامُ
فَعَلى النَسيمِ مِنَ الكَلالِ كَآبَةٌ
وَعَلى الأَصيلِ مِنَ الشُحوبِ سَقامُ
سَيَسيرُ هَذا الشَهرُ قَبلَ أَوانِهِ
إِذ لَم يَسعهُ لِما صَنَعتِ مَقامُ
كَم جُدتِ بِالمَعروفِ وَهوَ مُتَمَّمٌ
هِبَةً وَقُمتِ اللَيلَ وَهوَ تَمامُ
مَن يُنجِدُ الأُمّالَ بَعدَكِ أَنجَدَت
زَفَراتُهُم وَلِدَمعِهِم اِتِهامُ
وَأَراكِ نِمتِ عَنِ العُفاةِ وَطالَما
عَدَتِ الخُطوبِ فَسَهَّدَتكِ وَناموا
عاشَت بِكِ العَلياءُ دَهراً في غِنىً
فَاليَومَ صَبَّحَ رَبعَها الإِعدامُ
وَاليَومَ عادَ الدَهرُ في إِحسانِهِ
وَاِستَرجَعَت مَعروفَها الأَيّامُ
يا ديمَةً في التُربِ غارَت بَغتَةً
وَذَوُو الأَماني واقِفونَ حِيامُ
صِرنا نَشيمُ لَها البَوارِقَ في الثَرى
وَالبَرقُ مِن جِهَةِ السَماءِ يُشامُ
كانَت رَءوما بِالصَنيعِ تَرُبُّهُ
فَالمَكرُماتُ لِفَقدِها أَيتامُ
لَولا ضَريحُكِ ما عَلِمنا حُفرَةً
أَضحَت يُنافِسُها العُلُوَّ شَمامُ
ما ضَرَّها أَن لَم يَكُن مِسكاً وَلا
دُرّاً حَصىً حَلَّت بِهِ وَرُغامُ
وَقَفَ الأَكابِرُ مِن ثَنائِكِ مَوقِفاً
فَضَلَت وُجوهَهُمُ بِهِ الأَقدامُ
سَبقَت خَطاكِ إِلى الجِنانِ وَسائِلٌ
أَثنى عَلَيها اللَهُ وَالإِسلامُ
مَدَّت إِلَيكِ الحورُ مِن أَبصارِها
وَاِستَقبَلَتكِ تَحِيَّةٌ وَسَلامُ
لَم تُضجَعي في لَحدِكِ الزاكي الثَرى
إِلّا وَهُنَّ لِلاِنتِظارِ قِيامُ
خَلَّفتِ حينَ ذَهَبتِ خَيرَ اِبنٍ كَما
يَبقى الرَبيعُ إِذا اِستَهَلَّ غَمامُ
ذاكَ الهُمامُ الفَردُ لَكِن ثُنِّيَت
سِمَةُ الوَزارَةِ فيهِ فَهيَ تُؤامُ
شَرُفَت بِآلِ خَلاصٍ الرُتَبُ العُلا
فَهُمُ نُفوسٌ وَالعُلا أَجسامُ
قُل لِلدُجونِ أَوِ الحُروبِ تَصَدَّعي
فَأَبو عَليٍّ كَوكَبٌ وَحُسامُ
فَالخَطبُ لا يُعيِي مُروءَةَ ماجِدٍ
رُكناهُ نَبعٌ وَالخُطوبُ ثُمامُ
لَو تُطبَعُ الأَسيافُ مِن عَزَماتِهِ
لَم يُغنِ أَبناءَ الوَغى اِستِسلامُ
ذُلُلٌ مَواهِبُهُ وَلَكِن دَمعُهُ
في الحادِثاتِ أَعَزُّ ما يُستامُ
إِن قاسَمَتهُ الكَلمَ أَنفُسُنا فَكَم
شُفِيَت لَنا بِنَدى يَدَيهِ كِلامُ
أَو شاطَرَتهُ السُهدَ أَعيُنُنا فَما
زالَت تُعَزُّ بِعَدلِهِ وَتَنامُ
لا يُبكِهِ الدَهرُ الخَؤونُ بِحادِثٍ
فَالدَهرُ عَنهُ ضاحِكٌ بَسّامُ
أَتَروعُةُ الدُنيا بِنَثرِ مُنَظَّمٍ
وَوُجودُهُ أَمنٌ لَها وَنِظامُ