غناه الأمس وأطربه

التفعيلة : البحر المتدارك

غَنَّاهُ الأَمْسُ وأَطْرَبَهُ

وشَجَاهُ اليومُ فَما غَدُهُ

قَدْ كانَ لهُ قلبٌ كالطِّفْلِ

يدُ الأَحلامِ تُهَدْهِدُهُ

مُذْ كانَ له مَلَكٌ في الكونِ

جَميلُ الطَّلعَةِ يَعْبُدُهُ

في جوفِ اللَّيْلِ يُناجيهِ

وأَمامَ الفَجْرِ يُمَجِّدُهُ

وعلى الهَضَباتِ يُغنِّيهِ

آياتِ الحُبِّ ويُنْشِدُهُ

لولاهُ لما عَذُبَتْ في

الكونِ مَصَادِرُهُ ومَوارِدُهُ

ولَما فاضَتْ بالشِّعْرِ الح

يِّ مَشَاعِرهُ وقَصَائِدُهُ

تمشي في الغابِ فتَتْبَعه

أَفراحُ الحُبِّ وتَنْشُدُهُ

ويرى الآفاقَ فيُبْصِرُها

زُمَراً في النُّورِ تُراصِدُهُ

ويرى الأَطْيارَ فيَحْسَبُها

أَحلامَ الحُبِّ تُغَرِّدُهُ

ويرى الأَزهارَ فيَحْسَبُها

بَسماتِ الحُبِّ تُوارِدُهُ

فَيَخَالُ الكونَ يُناجيهِ

وجَمالَ العالَمِ يُسْعِدُهُ

ونُجومَ اللَّيلِ تُضاحِكُهُ

ونَسيمَ الغابِ يُطَارِدُهُ

ويَخالُ الوَرْدَ يداعِبُهُ

فرحاً فتعابثه يَدُهُ

ويرى اليُنْبوعَ ونَظْرَتَهُ

ونَسيمُ الصُّبْحِ يُجَعِّدُهُ

وخريرُ الماءِ لهُ نَغَمٌ

نَسَماتُ الغابِ تُرَدِّدُهُ

ويرى الأَعشابَ وقَدْ سَمَقَتْ

بَيْنَ الأَشجارِ تُشاهِدُهُ

ونِطاقُ الطِّفلِ تُنَمِّقُها

فَيَجُلُّ الحُبَّ ويَحْمدُهُ

يا للأَيَّامِ فكم سَرَّتْ

قلباً في النَّاسِ لتُكْمِدُهُ

هيَ مِثْلُ العاهِرِ عاشِقُها

تسقيهِ الخمرَ وَتَطْردُهُ

يُعْطيكَ اليومُ حلاوتها

كالشَّهْدِ ليَسْلُبَها غَدُهُ

بالأَمسِ يعَانِقُها فرحاً

ويضاجعُها فَتُوَسِّدُهُ

واليومَ يُسايِرُها شَبَحاً

أَضناهُ الحزنُ وَنَكَّدَهُ

يتلو في الغابِ مَرَاثيهِ

وجُذُوعُ السَّرْوِ تُسانِدُهُ

ويُماشي النَّاسَ وما أَحَدٌ

مِنْهُمْ يَشْجِيهِ تَفَرُّدُهُ

في ليلِ الوَحْشَةِ مسْراهُ

وبِكَهْفِ الوَحْدَةِ مرقَدُهُ

أَصواتُ الأَمسِ تُعَذِّبُهُ

وخيالُ الموتِ يُهَدِّدُهُ

بالأَمسِ لهُ شفَقٌ في الكونِ

يُضيءُ الأُفْقَ تورُّدُهُ

واليومَ لَقَدْ غَشَّاهُ اللَّيلُ

فما في العالمِ يُسعدُهُ

غنَّاهُ الأَمسُ وأَطْرَبَهُ

وشَجَاهُ اليَومَ فَما غَدُهُ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

أزنبقة السفح ما لي أراك

المنشور التالي

يا إله الوجود هذي جراح

اقرأ أيضاً

أتنسى يوم حومل والدخول

أَتَنسى يَومَ حَومَلَ وَالدَخولِ وَمَوقِفَنا عَلى الطَلَلِ المُحيلِ وَقالَت قَد نَحِلتَ وَشِبتَ بَعدي بِحَقِّ الشَيبِ بَعدَكِ وَالنُحولِ كَأَنَّ…