زمانٌ قليلٌ من بنيهِ نَجيبُ
وعَصْرٌ وفاءُ الناسِ فيه عجيبُ
وقلْبٌ كقِرطاسِ الرُّماةِ مُجَّرحٌ
له صفحاتٌ مِلْؤهنّ نُدوب
وإلْفٌ قريبٌ دارُه غير أنَّه
يُقاسِمُني العينَيْنِ منه رقيب
من الهيِفِ أمّا فوقَ عَقْدِ قَبائه
فَخُطوطٌ وأمّا تحته فكثيب
يَضيقُ مَشَق الجَفْنِ منه إذا رنا
ومُعتَنقُ العُشاق منه رَحيب
يُقرَطُ أُذْنَيه بصُدْغَيهِ عابثاً
وفي الحَلْيِ ممّا لا يُصاغُ ضُروب
ويَرْمي له طَرْفٌ وكفٌّ بأسهمٍ
وكُلُّ لحَبّاتِ القلوبِ مُسيب
فَيوماهُ إمّا وَقْفةٌ فإطافةٌ
بمُلْكٍ وإمّا وَثْبةٌ فَرُكوب
على مَتْنِ سَبّاقٍ منَ الخيلِ سابحِ
له شادحٌ ينشَقُ عنه سَبيب
إذا ما غدا في سَرْجه وهْو قُعدَةٌ
فإنّ فؤادي المُستهامَ جَنيب
وقد زاد منه الرَّدفَ ثِقْلا سلاحُه
فبَرَّح بالخَصْرِ النحيلِ لُغوب
مُعلَّقُ قَوْسٍ للنِضالِ وأسهمٍ
لها مَنظرٌ لولا الغرامُ مَهيب
غزالٌ تراه سائحاً غير أنّه
لأشباهِه عند التصيُّد ذيب
شجاع إذا سايرته فهو وحده
رعيل وإن سامرته فأديب
عليكَ به عند الرَّضا وهْو باسمٌ
وإيّاكَ منه إن علاه قطوب
أقولُ له والخوفُ يُمسِكُ مِقْولي
ويُرسلُ والدّمعُ السّفوحُ يَصوب
أأدنَيْتَني حتّى إذا ما ملكْتَني
صدَدتَ وعندي زَفْرةٌ ونَحيب
وقد عِبْتَ قلبي بالسُلُوِّ فَرُدَّه
كَرْدِّ الفتى للشيء حينَ يَعيب
أتَسْبي فؤادي لا تُحارَبُ دونه
وكم سُعّرَتْ حتّى سُبيتَ حُروب
فإن تَسلُبوا القلبَ الّذي في جوانحي
فإنّي إليكم بعدَه لَطَروب
فنحن أناسٌ للحنين كأنّما
خُلِقْنَ جسوماً كُلُّهنّ قُلوب
وليلَتُنا بينَ الخيام ولَمَّةٌ
تَخطَّفها والحَيُّ منه قريب
وخوفَ فراق النّجم قد صار سُحْرةً
لناصية اللّيل البهيم مشيب
وقد زارَنا رَوْعانَ يَسترقُ الخُطا
ليكتُمَ وَصْلاً والكَتومُ مُريب
يَتيهُ بقَدِّ كلّما هَزَّه الصِّبا
تَمايلَ مَيْل الغُصْنِ وهو رطيب
وروضةُ وَرْدٍ وَسْطَها أُقحوانةٌ
بها يَحسُنُ المرعَى له ويطيب
فللهِ بَدرٌ ما يزالُ مُراقباً
طُلوعٌ له في أعيُنٍ وغُروب
لدى ساعة فيها العواذِلُ نُوّمٌ
وفينا إلى داعي السرورِ هُبوب
تَهدَّي إلينا في الظّلام بوَجْهِه
وما دَلَّهُ ضَوءٌ سواهُ غريب
كما بسَديدِ الدّولةِ الدّولةُ اهتدَتْ
إلى كُلِّ ما تَرْمي به فَتُصيب
لعَمْري لقد خازَ المكارمَ كُلَّها
هُمامٌ لغاياتِ العلاء طَلوب
إذا ساجَلَ الأكْفاءَ في المجدِ فاقهم
أَغرُّ كريمُ الشِيمتَيْنِ حَسيب
له قَلَمٌ يَرْقى من الكفِّ منْبَراً
فيَملأُ سمْعَ الدّهر منه خَطيب
بيُمناهُ منه قِيدُ كعْبٍ إذا جَرى
تَقاصَر عنه الرّمحُ وهْو كعُوب
إذا ما دعا الرّأيُ الإماميُّ دَعوةً
أجاب إلى العلياء منهُ مُجيب
مُحمّدُ يا ابنَ السّابقينَ إلى العُلا
سماحاً وبأساً إن أهابَ مهيب
تَفرَّق أيسارُ الثّناءِ لأنْ رأوا
وما لِسوى كفَّيكَ منه نَصيب
إذا عَرضَتْ أعشارُ حَمْدٍ فإنما
نَداك مُعَلىً عندَها ورَقيب
فَداكَ زمانٌ أنتَ رائقُ بِشْره
وأبناؤه في الوجه منه شُحوب
ففِيك كما تبدو النّجوم مَحاسنٌ
وفيهم كما يَدجو الظّلامُ عُيوب
ضرائبُ أسلافٍ كرامٍ حَوْيتَها
وليس لحاوي مِثْلهنَّ ضَريب
أعِدْ نظَراً بالعدْلِ كاسمك نحونا
سديداً فللحقِّ القديمِ وجوب
وأنت الّذي ما زال لي منه ماجدٌ
ألوذُ به طَلْق اليديْنِ وهوب
غريبٌ عطاياهُ غريبٌ مدائحي
فكلٌّ لكُلٍّ في الزمانِ نَسيب
وإن يك نظْمٌ حال عن عهدِ حُنه
فطُولُ اللّيالي للأنامِ سَلوب
وقد كان يَصفو خاطري في شبيبتي
فمُذْ شِبْتُ عاد الطّبعُ وهوَ مَشوب
فما خصَ وخْطُ الشّيبِ رأسي وإنما
بشَعري وشعرِي قد ألمَّ مشيبُ
وما صادياتٌ ماطلَ السّيرُ وِردها
فأكبادها شوقاً إليه تذوب
خلطْنَ السُّرى بالسيرِ حتى وَردْنه
وأفنى بقايا متنِهنَّ دُؤوب
فلمّا رأيْنَ الماءَ وهْي خوامسٌ
ومنْ حولهِ مرعىً أجمُّ خصيب
ثناهُنَّ طعنٌ دونه فهْي خيفةً
تمُدُّ إلى الماء الطلي وتلوب
بأشوقَ مني نحوه غير أنّني
لِلُقياهُ من خوفِ العتابِ هيوب
ولولاهُ ما زُرتُ العراقَ مُعاوِداً
على رَبِذاتٍ سيْرُهُنَّ خبيب
تُساري نجومَ اللّيلِ هَذِي لِجَوِّها
وتلك بصحْبي للفلاةِ تجوب
فسارتْ متابِيعاً تُماشي ظلالها
وجاءتْ نُحولاً كُلُّهن سَلوب
فمالي أرى يا ابنَ الأكارمِ بعدما
تُعُسِّفَ من بُعْدٍ إليك سُهوب
تُناجي بيأْسٍ في ذُراكَ هواجسٌ
وغيرُك مَن فيه الظُنونُ تخيب
وبلّغني عنك المُبلِّغُ قولةً
بقلبي لديها مِن هواكَ وَجيب
كلامٌ حشا قلْبي كلاماً مُمضّةً
وَرُبَّ خطاب جاء منه خُطوب
فإنْ يك حقاً ما سمِعْتُ فما يُرَى
لداء القِلى إلا الفراقَ طَبيب
على أنَّ وُدِّي في ذُراكَ مُخلَّفٌ
وشُكري مُقيمٌ ما أقامَ عسيب
رُزِقْتُ كثيراً ثُمَّ إني حُرِمْتُه
وكم نائباتٍ للرجالِ تنوب
ويا ليْتني أَدْري بذَنْبٍ جَنيْتُه
لعلِّيَ أرجو الصّفْحَ حينَ أتوب
ولكنّني حيرانُ لا القلبُ يهتدي
لصبْرٍ ولا عزْمي إليّ يثوب
وللعفو أو للعذرِ منك ترقُّبي
لئن كُنَّ لي أو لم يكُنَّ ذنوب