إلى اللّهِ نَشكو فادِحاتِ النّوائِبِ
فقد فجَعَتْنا في أجلِّ المَطالبِ
رمَتْنا برُزْءٍ لو رمَتْ فيه يَذبُلاً
لزُلزِلَ منه راسِخاتُ الجوانِبِ
فتبّاً لدهْرٍ لا تزالُ خُطوبُه
تُطالِبُ في أوتارِها كلَّ طالِبِ
كأنّ الليالي فيهِ في بعضِها لهُمْ
قد اِتّصلَتْ أرحامُها بالنّواصِبِ
فإنّا وإنْ ساءَتْ إلَيْنا صُروفُها
فقد حسّنَتْ أخلاقُنا بالتّجارِبِ
فيا لَيْتَها فدّتْ حُسَيْناً بما تَشا
منَ الوَفْدِ من ماشٍ إليهِ وراكِبِ
لقد شَفعَتْ يومَ الصّفوفِ بمِثلِه
وثنّتْ بلَيثٍ من لُؤيِّ بنِ غالِبِ
هِزَبْرٌ تَرى بيضَ العَطايا بكفّهِ
وحُمرَ المَواضي بينَ حُمرِ المَخالِبِ
صوارمُه في أوجُهِ الموتِ أعيُنٌ
وأقوُسُه منها مَكانَ الحَواجِبِ
فتىً كانَ كالتّوريدِ في وجنةِ العُلى
وكالعِقْدِ حُسناً في نُحورِ المَراتِبِ
فلا اِنطَبَقَتْ عينُ العُلا بعدَ فَقدِه
ولا اِبتسَمَ الهِنديُّ في كفِّ ضارِبِ
عزيزٌ ثَوى تحتَ التُرابِ بحُفرةٍ
فيا لَيتَها محفورة في التّرائِبِ
فلا تحسَبوهُ من دُجى القبرِ راهِباً
ألَيْسَ المُحيّا منهُ مصباحَ راهِبِ
سَقى اللّهُ مَثواهُ بعَفْوٍ ورَحمةٍ
وأولاهُ سِتراً يومَ كَشْفِ المَعايبِ
وما فَقْرُ مَثواه الرّويِّ إلى الحَيا
وفيهِ انطَوى بحرٌ لذيذ المَشاربِ
وما في بَناتِ النّعشِ حاجةُ نعشِهِ
كفى ما حوَتْهُ من حِسانِ المَناقِبِ
نعَتْهُ السّما والأرضُ حتّى بكَتْ له
جُفونُ الغَوادي بالدّموعِ السّواكِبِ
ورقّ القَنا حُزناً عليهِ صُدوره
وحنّتْ إليهِ صاهِلاتُ السّلاهِبِ
وشقّتْ عليهِ الأبعَدونَ جُيوبَها
منَ الوجدِ فضلاً عن قُلوبِ الأقارِبِ
قضى فقضى المعروفُ والبأسُ والرّجا
وضاقَتْ علينا واسِعاتُ المَذاهِبِ
فليسَ عليه القلبُ من أُسْدِ قومِه
بأجزَعَ من خُمْصِ الذِّئابِ السّواغِبِ
فقُلْ لبَني الحاجاتِ كُفّوا عنِ السُّرى
فوا خَيبةَ المسعى وفَوْتَ المآرِبِ
أرى الأرضَ حالَتْ دونَه فتكسّفَتْ
لمرآهُ أقمارُ الدُّجى والملاعِبِ
سنَبْكيهِ ما عِشنا وإنْ قلَّ دَمعُنا
أزَدْناهُ منّا بالقُلوبِ الذّوائِبِ
فلا سلِمَتْ نفْسٌ من الوَجدِ لم تَذُبْ
عليهِ ولا قلبٌ غَدا غيرَ واجِبِ
سلِ الأرضَ عنهُ هل تصدّى فِرِندُه
فعَهدي به نَصْلٌ صَقيلُ المَضارِبِ
وهل أقْشَعَتْ مُزْنُ النّدى من بَنانِه
فعِلميَ فيها وهْيَ عشْرُ سَحائِبِ
وهل دُفِنَتْ منهُ الشّمائِلُ في الثّرى
فمركزُها الأصليُّ بين الكواكِبِ
فما للثّنا من بعدِه بهجةٌ ولو
سرَقْنا المعاني من ثَنايا الكَواعِبِ
متى بعدَهُ الأيّامُ تُطفي أُوامَنا
وقد غوّرَتْ بالأرضِ بحرَ المَواهِبِ
وأنّى لنا منها نُحاولُ راحةً
وقد أوقعَتْنا في أشقِّ المَتاعِبِ
كريمٌ غدَتْ راحاتُه بعد موتِه
لعاداتِها مبسوطةً للرّغائِبِ
تمكّن منهُ الموتُ في قَبضِ روحِه
ولم يتمكّنْ عندَ قبضِ الرّواجِبِ
أدامَ علينا فَقْدُه الليلَ سَرْمَداً
فلم نلْقَ فجراً بعدَهُ غيرَ كاذِبِ
كأنّ قُرونَ الحالِقاتِ لرُزْئِه
لنا وصلَتْ عُمرَ الدُّجى بالذّوائِبِ
فلو لم يُتِمِّ اللّهُ نورَ الهُدى لنا
بوالدِه عِشْنا بسُودِ الغَياهِبِ
أبي الجُودِ والتّقوى عليّ أخي النّدى
ذُكاءِ المعالي بدرِ شُهبِ الكَتائِبِ
جوادٌ بأرضِ الكَرخَتَيْنِ مُقامُه
ومعروفُه يَسري إلى كلِّ طالبِ
عسى اللّهُ يُبقي عُمرَه ويمدُّه
ويَكفيهِ في الدّارَينِ سوءَ العَواقِبِ
ولا شهِدَتْ عيناهُ بينَ أحبّةٍ
ولا سمِعَتْ أُذْناهُ صوتَ النّوادِبِ
ولا برِحَتْ أبناؤهُ وبَنوهُمُ
تحِفُّ به للنّصْرِ من كلِّ جانبِ
أُسودٌ إذا شُدَّتْ ثعالِبُ لُدْنِهم
تَصيدُ أسودَ الصيدِ صيدُ الثّعالِبِ
رياضٌ سقَتْها الفاطميّاتُ درَّها
وأزْكى فروعٍ من أصولٍ أطايِبِ
سُلالاتُ أرحامٍ من الرِّجْسِ طُهِّرَتْ
مَيامينُ أنجابٌ أتَوْا من نَجائِبِ
وقاهُ وإيّاهُم من السّوءِ ربُّهم
وبلّغَهُم أسنى المُنى والمطالِبِ