لا تكثرن ملامة العشاقِ
فكفاهم بالوجد والأشواقِ
إن البلاء يطاق غير مضاعَفٍ
فإذا تضاعف كان غير مطاق
أتلومهم للنفع أم لتزيدهم
باللوم إقلاقا على إقلاق
ما للذي أضحى يلوم ذوي الهوى
أمسى صريع مواقع الأحداق
أنى يعنف كل معنوف به
يَثني يديه على حشا خفّاق
تهدي الحمامة والغراب لقلبه
شجواً بساق تارة وبغاق
ويشوقه برق السحاب وإنما
يعنى ببرق المبسم البرّاق
متصعداً زفراته متحدّراً
عبراته أبداً قريح مآقي
لم يُسقَ فوه من الثغور شفاءه
فلوجنتيه من المدامع ساقي
يبكي الشجيُّ بعبرةٍ مهراقةٍ
بل بالدماء على دم مهراق
تضحي أحبته تُوَلَّى سفحه
عند الفراق وعند كل تلاقي
يجزونه طول الجفاء بأنه
لم يخلُ من شعَفٍ مدرِّ فُواق
شهد الوفاء وكل شيء صادقٍ
أن الجزاء هناك غير وفاق
أصغت إلى العشاق أذني مرةً
ومن الجميل تعاطفُ العشاق
فشكا الشجِيُّ من الخلي ملامة
وشكى الوفي تلون المذّاق
فدع المحب من الملامة إنها
بئس الدواء لموجع مقلاق
لا تطفئنَّ جوى بلوم إنه
كالريح تغري النار بالإحراق
وأرى رقى العذال غير نوافع
لا سيَّما لمتيَّم مشتاق
ما للمحب إذا تفاقم داؤه
غير الحبيب يزوره من راقي
أخذ الإله لنا بثأر قلوبنا
من مصميات للقلوب رشاق
رقت مياه وجوههن لناظر
وقلوبهن عليه غير رقاق
هيف القدود إذا نهضن لملعب
وإذا مشين صوادق الإيناق
حرنت بهن روادفٌ ممكورة
ومتونهن الغيد في إعناق
يهززن أغصاناً تباعد بالجنى
وتروق بالإثمار والإيراق
ومن البلية منظر ذو فتنة
نائي المنافع شاعف الإيناق
ومن العجائب أن سمحنا للهوى
بدمائنا وبخلن بالأرياق
مُزنٌ يُمِطنَ الريَّ عن أفواهنا
ويَجُدن للأبصار بالإبراق
صيد حرمناه على إغراقنا
في النزع والحرمان في الإغراق
وأما ومن لو شاء ما خلق الهوى
ولما ابتلى أصحابه بفراق
ما من مزيد من بلية عاشق
وندى وخير في أبي إسحاق
لله إبراهيم واحد عصره
ما أشبه الأخلاق بالأعراق
أضحت فضائله تؤمُّ به العلا
وكأنهن إلى السماء مراقي
لصفحتُ عن دهري به وذنوبُهُ
قد أوبقته أشدَّ ما إيباق
ملك له فطن دقاقٌ في العلا
تركته والأخلاق غير دقاق
يستعبد الأحرار إلا أنه
يستعبد الأحرار بالإعتاق
ومتى أصابك منه رقُّ صنيعةٍ
فكطوق زين لا كغُلِّ وثاق
يا رُبَّ أسرى للخطوب أصابَهم
منه بإعتاق وباسترقاق
ولما تعمد رقهم لكنه
لا بد للمعروف من أرباق
والرق في الإعتاق حكم للعلا
حكمت به والأسر في الإطلاق
رق الصنائع في الرقاب وأسرها
ما منهما وأبيك إلا باقي
يا من يقبل كف كل ممخرق
هذا ابن أحمد غير ذي مخراق
قبل أنامله فلسن أناملاً
لكنهن مفاتح الأرزاق
حظيت وفازت من أنامل سيّدٍ
نفع المسود فساد باستحقاق
نفحاتُهُ مُلكٌ وفي تأميله
روح القلوب ومسكة الأرماق
وإلى ابن أحمد أرقلت بي ناقتي
في كل أغبر قاتم الأعماق
جبت الخروق بكل خرق ماجد
إن الخروق مسالك الأخراق
نأتمُّ أروعَ نهتدي بجبينه
والله ضارب قبة ورواق
كالبدر تمَّ وكللته سعودُه
لا زال شانئه هلال محاق
قالت سعودي يوم فزت بقربه
قسماً لفزت بأنفس الأعلاق
حر تذكره الخطوب خَلاقةً
في الحال تنسي الحرَّ كل خلاق
يلقي الرجال ثناؤه وعطاؤه
بذكاء رائحة وطيب مذاق
خرق يعم ولا يخص بفضله
لكنه كالغيث في الإطباق
عفَّت مدائحه وعف فما ترى
منكوحةً إلا بخير صداق
ألفيتُ عاذله يروض سماحه
ليعوق منه وليس بالمُنعاق
شكراً بني حواء إن أخاكم
من خير ما رزقت يد الرزاق
أضحى ابن أحمد ساح ماء سماحه
فيه وماء شبابه الغيداق
وأُمِدَّ من ماء الحياء بثالثٍ
صافي القرارة رائق الرقراق
لله أمواه هناك ثلاثةٌ
تُغذى بهنَّ مكارم الأخلاق
أوفى بأعلى رتبة وتواضعت
آلاؤه فأحطن بالأعناق
كالشمس في كبد السماء محلها
وشعاعها في سائر الآفاق
بل كالسماء وكل ما زينت به
وكأرضها في قربه من لاقي
يا من يسائل من له بكفائه
من للسماء وأرضها بطباق
آسى هناتٍ مستشارُ خليفة
كافي شآمٍ مستماحُ عراق
ما زال مشترك القِرى في دهره
بين الطوارق منه والطرّاق
فقِرىً لطارقةٍ يحل نطاقها
من بعد ما شُدَّت أشد نطاق
وقرى يليه لطارق طلب القرى
فجرى له بالعين والأوراق
قسم الزمان على ضياء ساطع
وندى كمعروف السماء بُعاق
من لمحة بمشورة لمملَّكٍ
أو نفحة بجدىً لذي إملاق
فله إذا الأيام أشبه خيرها
يومُ الضعيفة صُبِّحت بطلاق
يوم كيوم الصحو في إشراقه
وغد كيوم الغيث في الإغداق
لا بل كلا يوميه يصبح فائزاً
بمحامد الإغداق والإشراق
يا قرب مستقياته لوروده
يا بعد أغوار هناك عماق
قل للإمام إذ اجتباه لأمره
ظفرت يداك بفاتق رتاق
مفتاح رأي حين يغلق بابه
مغلاق شر أيما مغلاق
متوقد الحركات تحسب أمره
لمعان برق أو حفيف بُراق
فإذا تفرد للخطوب بفكره
فله سكينة حيةٍ مطراق
وإذا التقى أمر الوزير وأمره
سدّا طريق الحادث المنباق
شهد الخليفة إذ أعانا بأسه
أن النصال تعان بالأفواق
إني رأيتك يا ابن أحمد سيداً
فينا بحق واجب وحقاق
لاحظت رفدك عند إرفاد الورى
فرأيته كاليمِّ عند سواقي
جادوا وجدت فأحدقت بثمادهم
غمرات بحرك أيّما إحداق
فتزاجروا عن غيِّهم وتصارحوا
نصحاً جلا الشبهات بعد ملاق
ورأيت رأيك بين آراء العدا
كالسيف بين جماجم أفلاق
كادوا وكدت فأزهقت ما دبَّروا
إحدى هناتك أيما إزهاق
أرهقتهم قدر البوار بقوة
وهبت لرأيك أوشك الإرهاق
ما للدهاة لدى محالك موئلٌ
لا في سلالمهم ولا الأنفاق
أنت الذي كبح المكائد كيده
حتى ركضن دوامي الأشداق
لله درك من مضرٍّ مرفقٍ
متألِّهِ الإضرار والإرفاق
كم ظِلِّ يومٍ ممطرٍ لك مصعقٍ
متحمد الإمطار والإصعاق
لبست محاسنك المحامد إنها
نظرت فلم تر غيرها من واقي
خذها شروداً في البلاد مقيمة
سمراً لذي سمرٍ وزادَ رفاق
أنت الذي ما قال فيه مقرظ
قولاً فأسلمه بلا مصداق
أنت الذي للوعد منه وعنده
سبق وللإنجاز وشكُ لحاق
من ذا يعد الحمد غيرك مغنماً
ويرى المواهب أفضل الإنفاق
من ذا يعد النفل فرضاً واجباً
أو يجعل الميعاد كالميثاق
يفديك من يُثني عليه صديقه
بعبوس كبر وابتسام نفاق
يا من يجود لدى السؤال بطرفه
ولدى النوال بأحسن الإطراق
يا من صفت لي في ذراه شرائعي
حتى تركت تتبع الأرزاق
أضحى المديح يساق نحوك إنه
يلفى ببابك نافق الأسواق
فالبَسه ما لبس الحمام حليَّه
في الأيك من وشح ومن أطواق
وعمرت ما عمرت مكارمك التي
تبلى ثياب الدهر وهي بواقي
واسلم أبا إسحاق لابس غبطة
وعِداك للإبعاد والإسحاق