السماء الصغيرة

التفعيلة : حديث

أَنَاْ لي سماءٌ كالسماءِ

أَنَاْ لي سماءٌ كالسماءِ صغيرةٌ زرقاءُ

أَنَاْ لي سماءٌ كالسماءِ صغيرةٌ زرقاءُ أحملُها على رأسي

كما رَفَعَ الجريدةَ من أرادَ بها اتِّقاءَ الشمسِ

أو مِثْلَ التماثيل التي بمعابد اليونان

تحملها على مضضٍ كعمالِ البناءْ

أو مثلما رفع المؤذنُ بالأذانِ حُمُولَ تاريخٍ طويلٍ

حينَ أَوْقَفَهُ على حدِّ البُكاءِ أو الغِنَاءْ

أو مثلما حَمَلَ المواجعَ كلَّما نادَى المنادِي أهلَه

حرفُ النِّداءْ

حتى إذا ما كنتُ وحدي ساهراً في البيتِ

عَلَّقْتُ السماءَ من الزوايا

ثم قلتُ لها حَنَانَكِ أَمْطِرِي

فتجودُ لي بحروفِها

حتى تُغَطِّيَ بالحروفِ الأرضَ عشوائيةٌ ليست بشئٍ

ثم أقعُدُ فَوْقَها كيما أرتِّبَها

وأجعلُها كلاماً واضحاً

فأعيدُ تركيبَ البريَّةِ وَفْقَ رَغْبَاتِي وإيماني

وَأُصْبِحُ آدَمَ الثاني

أُسَمِّي كلَّ غَزْوٍ عِلَّةً كالبَرْدِ

يأتي بُرْؤُها منها

سيرحلُ كلُّ غازٍ أو سيصبحُ مثلَنا

لُغَةً وَديناً ثوبَ تطريزٍ وَحُبَّاً للقصيدْ

وَأُحَوِّلُ الشُّرْطِيَّ إنْساناً كَمَا يَبْدُو

وليسَ مُلَخَّصَاً لمسيرةِ السُّلْطانِ مُنْذُ الفِتْنَةِ الكُبْرَى

أُعَيِّنُ حاكِماً في البالِ سائقَ أُجْرَةٍ

أو نادِلاً في مَطْعَمٍ مثلاً

وقد اعطيه أيةَ مهنةٍ أُخْرَى

فإنَّ الحاكمينَ لهم يدانِ فَقَطْ

وأكثرُ ظلمِهم ظُلْمٌ من المحكومِ للمحكومِ

بل إني أقولُ بأنَّه

من عهدِ آدمَ لم يكنْ بين البرايا حاكمٌ أبداً

وغايةُ ما هنالكَ أنَّهُ

مُذْ قلَّتِ الأحرارُ في الدنيا تَظَالَمَتِ العَبِيدْ

ولذا فإني منذُ أعوامٍ

أطيلُ البحثَ للحُكَّامِ عن عَمَلٍ مُفِيدْ

وأعيدُ تركيبَ التواريخِ القديمةِ

ربَّما أَدْخَلْتُ فيها بَعْضَ تزويرٍ حَمِيدْ

فَيُصَحِّحُ التاريخُ سيرتَه كأحسنِ ما أُرِيدْ

فيهِ الخوارجُ لا تثورُ على عَلِيّ

ويثورُ فيهِ المسلمونَ على يَزِيدْ

ويُطَافُ في الأسواقِ بِاْبْنِ العَلْقَمِيّ

وَبِكُلِّ مَنْ جَعَلَ الغُزَاةَ وُلاتَهُ

في مِصْرَ أو في الشَّامِ أو في ذَلِكَ البَلَدِ

المخَضَّبِ والمجيدْ

وأعيدُ ترتيبَ الخرائطِ

حيث أَجْعَلُ سورَ بَغْدادٍ عِقَالاً في رؤوسِ الأكرمينَ

ونيلَ مصرٍ نَهْرَ خَيْلٍ تحتَ قومٍ غَاضِبِينَ

وَغُوطةً بِدِمَشْقَ تُنْبِتُ في زمانِ الحرْبِ رُمْحاً

كي يَصُونَ اليَاسَمِينَ وَرُبَّما

قرَّرْتُ من أَجْلِ المزاحِ فَقَطْ

وُجُودَ رجالِ أمنٍ

طيِّبِينَ يُؤَانِسُونَ الغُولَ والعنقاءَ والخِلَّ الوَفِيّ

هذي سمائي في يَدَيّ

هذا إذا ما كُنْتَ تَدري سلطةٌ عُظْمَى

أُغَيِّرُ ما أشاءُ من الزمانِ عَلَى هَوايَ

وفوقَ رأسي عالَمٌ هو عالمي

وسمائيَ الدُّنيا التي ليست بِدُنياً

وَهْيَ كالعَنْقَاءِ خَيَّمَ ظِلُّها فَوْقِي

وَيَحْمِي جَانِبَاها جَانِبَيّ

وَهْيَ التي في الحقِّ تَحْمِلُني

وَتَسْعَى في بِلادِ اللهِ مِنْ حَيٍّ لِحَيّ

لكنَّني من مِخْلَبِ العَنْقَاءِ في السَّفَرِ الطويلِ

مُشَارِفاً جِهَةَ الوُصُولِ

أقولُ يا عنقاءُ شكراً

كُلَّ شَيءٍ بالخيالِ مَنَحْتِنِي

وَجَعَلْتِنِي مَلِكاً عَلَى الدُّنيا بِأَكْمَلِها وَلَكِنْ

لم يَزَلْ في الصَّدْرِ شَيءٌ

فاكتبوهُ في الوَصِيَّةِ

وَاقْرَأُوه مَرَّةً أُخْرَى عَلَيّ

يَا لَيْتَ أرضاً

أيَّ أرْضٍ

في يَدَيّ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

معين الدمع

المنشور التالي

شوية كمان

اقرأ أيضاً