الحب مذ كان معنى يصحب الأدبا

التفعيلة : البحر البسيط

الحبُّ مُذْ كان معنىً يَصْحَب الأَدَبا

فإنْ تغزلتَ في مدحٍ فلا عَجَبا

وأحسنُ الشعرِ ما أَضْحَى تَغزُّلُه

إلى المَدائحِ في إنشادِه سَببَا

والفهم كالنارِ والتَّشْبيبُ إنْ خَمَدتْ

يَشُبُّها بلَطِيفَىْ فكرةٍ وصَبَا

كم فكرةٍ أَنْتَجَتْ معنىً لمُلتهِب

بالشوق لو رامَه في غيرِه عَزَبا

وحكمةُ العَربِ الماضِين كامِنةٌ

في الشعرِ فليَقْفُ من يُعْنَى به العربا

فهل تَعاطاهُ فَحْلٌ في فَصاحتِه

إلا بكى سَكَنا أو ناح أو نَدَبا

والشعرُ تَلْقينُ شيطانِ الغَرام فلا

يُمْلِي غَرائبَه إلا لمن نَسَبا

إلا مَائحَ شاهِنْشاهَ لا بَرِحتْ

تُشرِّف اللفظَ والمعنى إذا اصطحبا

جَلَّت مَحاسِنُها عما تُضافُ له

مُستغنِيات عن المُثْنِى وإنْ دَرِبا

لو لم تجد شاعرا في الأرض يَنْظِمها

عجزا لأَنْشَد فيها الحقُّ واخْتَطبا

حَكتْ لنا العيشَ في أيامِ دولِته

لِطيبِه كلما كَرَّرْتَه عَذُبا

تَصَرَّفتْ في لُهاهُ الْخَلْقُ جائلةً

في الأرض تملأ قُطْرَيْها بما رَحُبا

كم قَدْرُ ما قيل فيها وهْي في شرفٍ

وكثرةٍ وارتفاع فاقتِ الشُّهبُا

فنَفْسُه حيثُ حَلَّتْ في تَفرُّدِها

يَحْوىٍ بها كلُّ قطرٍ عَسْكراً لجِبَا

وكلُّ شيءٍ نَفيسٍ من مَواهِبه

والأرضُ والْخَلْق طُرًّا بعضُ ما كَسبا

أَعْطَى المَدائنَ والْجَمَّ الهَجائنَ وال

جُرْدَ الصَّواهلَ لما استَنْفَذ الذَّهبا

فليس يتركُ صوتُ المُسْتَميحِ له

ما لا على عُظْمِ ما يَحْوِي ولا نَشَبا

صِفْ عنه ما شئتَ مِن مدحٍ ومن كرمٍ

وهيبةٍ وافتخارٍ تَأمَنِ الكذبا

ذو همةٍ لو يُلَقَّى بعضَ ما حَمَلت

طَوْدٌ من الشْمِّ أَدْنَى ساعةٍ نُكِبا

ذو همةٍ لو تَلاها البرقُ وانيةً

لاستعجزَتْه على إسراعِه وكبا

ما دتْ بنا الأرضُ لا

أدري هل اضطربَت

من عَدْلِه طَرَبا أو خَوْفِه رَهَبا

سارتْ له سيرةٌ أَدْنَى مَناقِبها

قد عَطَّر الأرضَ والأفواهَ والكُتبا

تَضَمَّنتْ غَزواتٍ كلما ضحك ال

إسلامُ عنهنّ ناحَ الكفرُ وانْتَحَبا

أرضَى المَساجَد والزُّهّادَ عنه ألا

للهِ ما أَسْخطَ الرُّهبانَ والصُّلُبا

وللأَذانِ سرورٌ في مَواطِنِه

تُبدِي النَّواقْيسُ منه الوَيْلَ والْحَرَبا

ضَمِّرْ خيولكَ للنصرِ التي وُعِدتْ

وَثَقِّفِ السُّمْرَ حَزْما وارْهَف القُضُبا

أَبشِرْ فعاداتُ وفدِ النصرِ قادمةٌ

كالِهيمِ من بعدِ خَمْسٍ وافتِ القَرَبا

واسْفِكْ دما في طُلَى الأَعداءِ منتظِرا

فلو أشارتْ له أَسيافُك وانْسَكبا

يا أَفضلَ الناسِ أَفْعالا وتسميةً

وأعدلَ الخَلْق نفساً حُرّة وأَبا

لم يَعْدَم الملكُ نَصْرا من سيوفكما

فيما نأَى من قديم الدهرِ أو قَرُبا

أما أبوك الذي رَدَّت عَزائُمه

للملك فيما مضى الحقَّ الذي اغتُصِبا

وأَمَّن الأرضَ بالخوفِ الذي نَهَبتْ

أَدْنَى سَراياهُ فيها أَمْنَ مَنْ نَهَبا

وبعدَها لو نَهَيْتَ الحُوتَ في لُجَجٍ

عن شُرْبِه دام ظَمْآنا ولو شَرِبا

والريحَ في الجو لا تجرِي ولو عَصَفتْ

إلا بما تبتغِيه شَمْأَلا وصَبَا

والليثَ في البِيدِ يُغْضي عن فَريسته

خوفاً ولو نازعَتْه قوة اجتَنَبَا

لولاك ما غَمّضتْ عينُ امرىءٍ فَرَقا

ولا لَقِى هُدُبٌ من جَفْنِها هُدُبا

لا قَلَّصَ الله ظِلاّ أنتَ باسطُه

ولا سحابَ نَوالٍ منك مُنسحِبا

فالناسُ في بركاتٍ أنتَ مَوْرِدُها

كادت لها كلُّ نفسٍ تَأْمنُ السُّحُبا

دليلُ يُمْنِكَ أنّ النيلَ في نَسَقٍ

وافٍ به مُذْ كَفانا سَعْدُك النُّوَبا

ما دولةٌ سَلَفتْ إلا وكان بها

نقصٌ من النيلِ يُفنى أهلَها سَغَبا

حتى وَليتَ فما في الأرضِ مرتفعٌ

حتى ارْتَوَى وهْو في الطُّوفانِ ما شَرِبا

وهذه في مَعانٍ قد سبقتَ لها

من كان قبلَك أو فاسْتَخْبِرِ الحِقَبا

كم رام قبلَك في الماضين من ملك

هذا فلم تَقْضِ منه نفسُه أَرَبا

تَهَنَّ ذاك وهذا الشهرَ مبتدِئا

فما يخصُّ هَنائي وحدَه رَجَبا

ما ثَلثَ نِيلَك نَيْلا ثم شهرَك ذا

فضلاً وكلٌّ يُوافِى خائراً تَعبا

لكل شهرٍ ونهرٍ بعضُ منزلةٍ

مما حويتَ من الفَضْلَيْن إنْ نُسِبا

يا أوْحدَ الفضلِ قد كَثَّرتَ منفرِدا

ويا غَريبَ العُلَى عَرَّفْتَ مغترِبا

وهبتَني فوهبتُ الناسَ عن سعةٍ

يا واهبا يَهَب الموهوبَ أن يَهبَا

كم قَدْرُ شكرِي وإن سارتَ مواكبُه

حتى يُخفِّفَ عني بعضَ ما يجبا

فلو أَعانَ لساني كلُّ ذي كَلِمٍ

في شُكْرِ أَيْسَرِ ما أَوْليتَني غُلبا

لكنَّني سوفَ أُبدي جهدَ مقدرتي

إنْ لم تَطِر بجوادٍ أَربعٌ وكَبا

يا ما نعَ الناس لما جُدْتَ عن كرمٍ

صَعَّبتَ ما هانَ إذ هَوَّنتَ ما صَعُبا

لقد تَطوَّلتَ حتى طُلْتَ عن شَبَهٍ

مَهْلا فجودُك مُعْطٍ مثلَ ما سلبا

لا زال عُمْرُك كالأفلاكِ دائرةً

يكررُ الدهرُ منه كلَّ ما ذهبا


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

يا خليلي الهوى برح بي

المنشور التالي

ماذا يقول المادحو

اقرأ أيضاً