عاطيتني السحرَ أم صرفاً من الراحِ؟
للسحرِ عيناك أم للسكرِ يا صاح
لو شئتِ أن يصحوَ المخمورُ جدتِ له
مما بخديكِ من وَردٍ وَتفاحِ
“تشفي المراشفُ؛ والألحاظُ جارحةٌ”
يا دينَ قلبيَ من آسٍ وَجرّاحِ
هَلِ المشيبُ وَإِنْ شاعتْ طلائعُهُ
إذا التقينا لأحلام الصِبا ماح؟
دعِ العذولَ يمتْ من غيظه كمداً
ماذا يقول لحاه اللهُ من لاح
رثيتِ للطيف من عيني وَمنْ خلدي
يبيتُ ما بينَ خفّاق وَسفّاح
إِنْ هاجتِ الريحُ أشواقي فلا عجبٌ
فالنارُ تورى بأَنفاسٍ وَأرياح
يا يومَ بحبوحةِ الوادي عَلَى (بردى)
شفيتِ غلّةَ صادي القلبِ ملواح
نهرٌ عرائسُه من عبقر عزفتْ
له وَلاحتْ بأرواح وَأشباح
أهلَّ كالطفلِ وَضاءً مخايلُه
دلّتْ عَلَى مائرِ العطفين طَمّاح
قامت حواضنُهُ من جانبيه عَلَى
أَغرّ أزهر نضرِ الوجهِ نضّاح
يحبو وَينمو وما ينفكُ مطرداً
بغرّةٍ ذات لألآءٍ وَأوضاح
حتى يصير إلى ملآن من صَلَفٍ
صعب القيادِ جهير الصوت رَحْراح
شاكي السلاح من القصباءِ حيث جرى
يصول منها بأَسيافٍ وأرماح
ما ارتدَّ مذْ سار في سهلٍ وَلا جبل
كذاك يبلغ إِن لمْ ينكصِ الناحي
يريك في جريه من مائه صوراً
تبدو عَلَى ثَبَجٍ منه وَضحضاح
ما بين منسربٍ أو مزبدٍ لجب
أو مستدير كظهرِ الترس منداح
إذا تموّج مختالاً بجريته
عجبتَ من قابضٍ كفاً وَمن داح
ما مرَّ في بقعةٍ إلاّ وَخاطبها
طوْراً بغمغمةٍ طوراً بإِفصاح
في كل مرحلةٍ لحنٌ فمن هزجٍ
إلى هديرٍ إلى ترنيم نوّاح
يجدُّ في ضيقه حتى إذا انفرجتْ
ضفافُهُ سار رَهْواً سيرَ ممراحِ
إن دغدغته الصَبا آبَتْ بعبْستِهِ
لكنّها عَبْسَةُ السكّيرِ للراح
وَإِن تلاطم أَوْ جاشتْ غواربُهُ
سمعتَ من موجه تصفيقَ مفراح
وَإِن تململ في الوادي وَضاق به
سمعت همهمةً من صدرِ طلاّح
سمحٌ فإِنْ عارضته هوةً قُذُفٌ
أراك إِقدامَ وَثّابٍ وَدلاّح
هَوى وَعَجَّ وَلمْ يرفعْ ذلاذله
من تيهه وَرمى عن قوس نضّاح
يرغو وَيزيد منهلاً بكوكبةٍ
من نابلٍ إِثرَ سيّافٍ وَرمّاح
رشاشُه وَهو مبثوثٌ هنا وَهنا
مثل الفراش تهاوى حولَ مصباح
أو سرب نحلٍ مثار من خليتَه
أو وابلٍ في مهب الريح سحّاح
أو عقد درٍّ وَهى من نحرٍ غانيةٍ
أو منتحى أَكرٍ يرمي بها الطاحي
إذا تَشَعّبَ في الوادي حسبتَ يَداً
مُدَّتْ أصابعُها في كفِّ مسماح
وَإِنْ تغلغلَ في روضٍ كساه حلى
فمنْ وشاحٍ إلى عِقْدٍ إلى داح
يختالُ في موكبٍ جذلى بلابله
يحكي بشاشةَ أعراسٍ وَأفراح
وَكم تمطّى بأعطافٍ مرنَّحةٍ
في رفرفٍ كجنانِ الخلد فيّاح
تخاله ذيلَ طاووسٍ إذا لَمَعتْ
أَزهارُه بين مخضرٍّ وَميّاح
والشمسُ ترسل من خيطانِها شَبَكاً
عَلَى كرائم درٍّ منه لمّاح
تفنّنَ النورُ في تلوين بردتِه
صِبْغاً وَنفضاً بإِمساءٍ وَإِصباح
إذا الأصيلُ تراءى فوق زرقته
فالفجرُ في الأُفق من خلف الدجى ضاح
أين المجرة من نهرٍ يشع سنا
كم بين جهمٍ وطلق الوجه وَضّاح
ما نجمُها مثل نجم في جوانبه
من كل لون بديع النظم نفّاح
حيّته من عَذَباتِ البانِ ألويةٌ
وَمن هواتِفها ترجيعُ صدّاح
إذا ترنَّح غصْنٌ تحت ساجعةٍ
لم تدرِ أيهما النشوان وَالصاحي
ترى الفراشَ عَلى أزهارِهِ مرحاً
يعبُّ منها بأكوابٍ وَأقداح
فإِنْ تهافتَ حول الزهرِ رفرفة
حسبته شرراً من زند قدّاح
وَربَّ صفصافةٍ قد أَطرقتْ خجلاً
إِذْ شَمَّرَ الحورُ عن ساقٍ كسبّاح
جمّ التلفّتِ ذو وَجهينِ يدفعه
إذا تمايل زندُ التين بالراح
والزهرُ يلوي بأَعناقٍ وَيبتسِمُ عن
درٍّ وَيرنو بعين ذاتِ تلماح
نشوان أنفاسُه نمّتْ عليه فمنْ
زاكٍ وَمن عبقٍ بالسرّ بوّاح
يا أيها الشاربُ النشوانُ كم نفسٍ
وَإِن حرصتَ عَلَى الكتمان فضّاح
تمر بالزيزفون الريحُ راويةً
عن طيّبِ النشر والأنفاس فوّاح
والجلّنارُ إِذا مالَ النسيمُ به
نارٌ مؤججةٌ أو عُرْف صيّاح
جناتُ عَدْنٍ بها من كل فاكهةٍ
وَمن ثمار وَأعنابٍ وَأَطلاح
بثَّ الحياةَ وَبثَّ الحسنَ حيث جرى
وانساح بُوركَ من جارٍ وَمنساح
هذي (دمشق) بما فيها هديَّتُهُ
أكرمْ بها منحةً أكرم بمنّاح
في (الغوطتين) وَفيها منظر عجب
بحرٌ تعوم عليه ذاتُ ألواح
يا من رأى نَهرَاً قدْ أنشأتْ يدُه
بحراً يموج بأشجار وَأدواح
كم وَقفةٍ في ظلالِ الأَيك من (بردى)
وَبين أَدغالِه والجزع والساح
كنا كزَوْجي حمامٍ ناعمين ضحى
هذي تزقُّ وَذا مستطعم شاح
كلاهما طالبٌ بالدين صاحبَه
ملحاحة تقتضي من عند ملحاح
إِذا تلاحم منقاراهما اختلجا
وامتدَّ عنْقانِ من عطشي وَملتاح
تبادلا الزقَّ معسولاً بريقِهِما
وَمازجا بين أرواحٍ وَأرواح
لا يشبعانِ وَلا يُروى غليلهما
والعذبُ يُغري بإِفراطٍ وَإِلحاح
تحزُّ في كبدي الذكرى وَتوهجها
وَربما فَرَّجَتْ همي وَأَتراحي
وَتبعثُ الوجدَ حياً والتشوق في
قلبٍ لعهدِ الصِبا والحب مرتاح
قفْ موقفي بضفافِ النهرِ تَلْقَ به
بحراً من الشعر عجاجاً لممتاح
يا ناعماً بحماه أَنت في ملإِ
ترى وَتسمعُ فيه الملهمَ الواحي
قلْ للذي كَدَّرَ الصافي رُوَيْدكَ لا
تبغ الفسادَ به من بعد إصلاح
وردتَ أَعذبَ وردٍ من مشارعِهِ
فكفَّ عنه أَذى باغٍ ومجتاح
لم ترع حرمةَ وادٍ بتَّ تقذفُه
بكل خطبٍ يُشيب الطفلَ فدّاح
مرعى أنيق لأسرابِ الظباءِ فلا
تجعله دمنةَ نعّار وَنطّاح
وَلا تنفِّرْ قيانَ الطيرِ ساجعةً
عَلَى الغصون بخوّارٍ وَضبّاح
وارفقْ بزغبٍ عَلَى الأَعشاشِ جاثمة
من كل أَسود ذي نابين فحّاح
ولا ترعْ وادعَ الحملانِ راتعةً
بظفرِ ذئبٍ وَلا سكين ذبّاح
فالمنزلُ الخصبُ ما لمْ ترع حوزتَه
يؤولُ معشبُه يوماً لمنصاح
يا معطيَ القفلِ أعيا من يعالجه
ما نفعُ قفْلٍ عصى من غير مفتاح
سفينةٌ عصفةْ هوجُ الرياحِ بها
ليلاً فخفتُ عليها جورَ ملاّح
أَرى الكنانةَ تشفى في مواطنها
والرمزُ أَبلغُ من شرحٍ وَإيضاح
عليّ أَن أرسلَ السهمَ المصيبَ وَما
عليَّ إِنْ لم يغبْ في جلد تمساح