إذا الحَمامُ على الأغصانِ غنّانا
في الصُّبحِ هيَّج للمشتاقِ أحزانا
وُرْقٌ يُردِّدْنَ لحْناً واحداً أبداً
من الغِناء ولا يُحْسِنَّ ألحانا
ذَكَّرْنَنا زَمناً عِشْنا ذوي طَرَبٍ
لذِكْرهِ بعدَ أن قد مَرّ أزمانا
ظُلْمٌ من الإلَفِ يَنسانا ونَذْكُرُه
حتّامَ نَذكُر إلفاً وهْو يَنْسانا
قُلْ للبخيلةِ أن تُهدي على عَجَلٍ
تَسليمةً حينَ نلقاها وتَلْقانا
ماذا عليكِ وقد أصبحتِ مالكةً
أن تُخْرِجي من زكاةِ الحُسنِ إحسانا
إن كنتِ عازمةً للوصْلِ فاغْتَنمي
مادام جارَيْنِ بالخَلْصاء حَيّانا
فقد رمَى العِيسُ بالأبصارِ خاشعةً
ومَدَّتِ الخيّلُ للتَّرحالِ آذانا
للّهِ مَوْقفُنا والحَيُّ قد غَفَلوا
عنّا عشيّةَ حَلُّوا بَطْنَ نَعْمانا
لمّا استَرقْنا منَ الغَيرانِ لَيلَتنا
وبات كلٌ بمَنْ يَهْواهُ جَذْلانا
قالوا الرَّحيلُ غداً والصُّبْحُ مُقْتَربٌ
فقلتُ للَّيلِ أخْرِجْ طُولَكَ الآنا
طُلْ مَرّةً لي ودارُ الحَيّ دانيةٌ
منّي كما طُلْتَ لي في البُعْدِ أحيانا
كم من فؤادٍ غداةَ الجِزْعِ ذي جَزَعٍ
هاجَتْ له الجِيرةُ الغادونَ أشجانا
أستودعُ اللهَ قوماً كيف أبعدَنا
تَقلُّبُ الدّهرِ منهمْ حينَ أدنانا
زَمّوا الغداةَ مطاياهُمْ لفُرقَتنا
لمّا أَنَخْنا لِلُقياهمْ مَطايانا
لم تَشْتَبِكْ بعدُ أطنابُ الخيامِ لنا
ولا المنازلُ ضَمّتْهم وإيّانا
لكنّهمْ عاجَلونا بالنَّوى ومَضَوا
وخَلَّفوا الطَّرِبَ المشتاقَ حَيْرانا
يُمناهُ بعدُ منَ التَّسليمِ ما فرغَتْ
إذ مَدَّ يُسراهُ للتَّوديعِ عَجْلانا
لم يَملأِ العَيْنَ من أحبابِه نظَراً
إذ غادرَ الدَّمعُ منه الجَفْنَ مَلآنا
جيرانُنا رحَلوا واللهُ جارُهمُ
مُستَبدِلينَ بحُكْمِ الدَّهرِ جِيرانا
وإنْ نَسِرْ فدَواعي الشَّوقِ تَأْمُرُنا
وإن نُقِمْ فعَوادي الدَّهرِ تَنْهانا
لو قَدْ قَدرْنا لسايَرْنا رِكابَكُمُ
لو أمكنَ السَّيرُ بالأبصارِ إمكانا
يا مَنْ غدا مُبدِياً شَكْوَى أحبَّته
لمّا رأَى حيثُ يُرجَى الوَصْلُ هِجْرانا
ما إنْ أرى سُحْبَ هذا الدَّمعِ مُقْلعةً
حتّى تُغادِرَ في خَدَّيكَ غُدْرانا
إنْ أبعدَ الدَّهرُ مَأْوانا وساكنَه
فقد جعَلْنا ظُهورَ العيسِ مَأوانا
وما قضَى قَطُّ أوطارَ العلا رَجُلٌ
لم يَتَّخِذْ شُعَبَ الأكوارِ أوطانا
ما زِلتُ أُعملُ في البَيداءِ يَعْمَلةً
رَوْعاءَ تَحمِلُ في الآفاقِ رَوْعانا
حَرْفاً أُصَرِّفُها حَلاّ ومُرتَحَلاً
تَصرُّفَ الحَرْفِ تَحْريكاً وإمكانا
في مَهْمَهٍ ما بهِ إلا تَنَسُّمُنا
أخبارَ أرضٍ إذا رَكْبٌ تَلَقّانا
أقولُ للنِّضْوِ إذ جَدَّ النَّجاءُ بنا
والخَوفُ يُلحِقُ أُولانا بأُخْرانا
أعِنْ بسَيْرٍ إلى المَولَى المُعينِ لنا
إن كنتَ تَبْغي على الأيّامِ أعوانا
وَرِدْهُ يا طالبَ الإحسانِ بَحْرَ ندّى
تَعشْ بجُودِ يَديْهِ الدَّهْرَ رَيَانا
ذو همّةٍ في سَماءِ المجدِ عالية
تَعُمُّ جَدْواه أدْنانا وأقْصانا
مَوْلىً متى تدعه المَولَى مُخاطبةً
تَجِدْ عُلاه على ما قلتُ بُرْهانا
الدّهرُ وهْو أبونا عَبْدُه عِظَماً
فما عدا الصِّدْقَ مَنْ سَمّاهُ مَولانا
مَلْكٌ إذا نحن جِئْنا زائرينَ له
بِبِشْرِه مُوِسعٌ بالخيرِ بُشْرانا
كالمُشتري لعَطاء السَّعْدِ غرَّتَه
وإنْ تَجاوَزَ في العَلْياءِ كيوانا
تَخالُه الشّمسَ وجهاً والسّماءَ ندىً
والغَيثَ عندَ الرِّضا واللَّيثَ غَضْبانا
يُريكَ فَضْلاً وإفضالاً وأيُّ فتىً
يَرَى الورَى عندَهُ عُرْفاً وعِرْفانا
في كفِّهِ قَلمٌ بالرُّمْحِ تُشْبِهُه
إذا غدا في صُدورِ الخَيلِ طَعّانا
تَعلو قناكَ نُسورُ الجَوِّ آلفةً
إلْفَ الحَمامِ علَتْ للأيكِ أغصانا
حيثُ الغبارُ يَسُدُّ الجَوَّ ساطِعُه
والخيلُ تَحمِلُ للأقرانِ أقرانا
والطّعنُ يَحفِرُ في لَبّاتِها قُلُباً
تَظَلُّ فيها رِماح القومِ أشطانا
غُرٌّ تَظلُّ تَبارَى في أعنَّتِها
تَحمِلْنَ أغلِمةً في الرَّوْعِ غُرّانا
تَفُلُّ كُتْبُك إنِ سارَتْ كَتائبَهمْ
إذا العِدا عايَنوا منْهنّ عُنْوانا
يداكَ هذي لأموالِ الملوكِ حِمىً
وهذهِ أبداً تُسْني عَطايانا
مالاً منَعْتَ وأموالاً بذلْتَ لنا
يا أشكَر النّاسِ سُؤّلاً وسُلْطانا
يَفْديك قومٌ كآلِ القاعِ إنْ خُبِروا
تَشابَهوا للورَى فَقْداً ووِجْدانا
لا يَسمعون ولا همْ يُبصِرونَ معاً
كأنّما خُلِقوا للخَلْقِ أوثانا
خلالكِ الجَوُّ يا خَيلَ النَّدى فخُذي
في صَيْدِكِ الشُّكْرَ أَيساراً وأيمانا
قد كان طُلاّبُه كُثْراً فقد تَركوا
منهم لكِ اليومَ ظَهْرَ الأرضِ عُرْيانا
فما سِوَى أحمدَ بْنِ الفَضْلِ ذو كرمٍ
تَغْدو مَواهبهُ للحَمْدِ أثمانا
لا تَلْتَبسِ أن يُريكَ الدَّهْرُ ثانيَه
كَفى بهِ أن تَضُمَّ العَيْنُ إنسانا
ما فيكَ يا دَهْرُ إلاّ واحدٌ فَطِنٌ
وواحدٌ فَطِنٌ يكْفي إذا كانا
ما ضَرَّنا أنّه فَرْدٌ بلا مَثَلٍ
وأنّه عَمّنا رِفْداً وأغْنانا
إنِ اغتدَى واحداً فالشّمسُ واحدةٌ
وضَوؤها ملْءَ وجْهِ الأرضِ يَغْشانا
فزِدْ نَزِدْكَ ثناءً لا انْقضاءَ له
كالمِسْكِ تَلْقَى بهِ الرُّكْبانُ رُكبانا
لولاكَ لم يَبْقَ رَسْمُ الجودِ في زَمَنٍ
ما كان يُوجَدُ فيه الحمدُ لَولانا
حكَيتَ أحمدَ في نَصْرٍ لنا كَرماً
ففي مَديحِك دَعْني أحكِ حَسّانا