ما لِلْيَراعِ خَواضِعُ الأعْناقِ
طرَقَ النّعِيُّ فهُنّ في إطْراقِ
وكأنّما صبَغَ الشّحوبُ وجوهَها
والسُقْمُ منْ جزَعٍ ومنْ إشْفاقِ
ما للصّحائِفِ صوّحَتْ رَوْضاتُها
أسَفاً وكُنّ نَظيرَةَ الأوْراقِ
ما للبَيانِ كُؤوسُه مهْجورَةٌ
غفَلَ المُديرُ لَها ونامَ السّاقِي
ما لِي عدِمْتُ تجلُّدِي وتصبُّري
والصّبْرُ في الأزَماتِ منْ أخْلاقِ
خطْبٌ أصابَ بَني البَلاغَةِ والحِجا
شَبَّ الزّفيرُ بهِ عنِ الأطْواقِ
أمّا وقدْ أوْدَى أبو الحسَنِ الرِّضا
فالفضْلُ قدْ أوْدَى علَى الإطْلاقِ
كنْزُ المَعارِفِ لا تَبيدُ نُقودُه
يوْماً ولا تَفْنَى علَى الإنْفاقِ
مَنْ للبَدائِعِ أصْبَحَتْ سمَرَ السُّرَى
ما بيْنَ شامٍ في الوَرَى وعِراقِ
مَنْ لليَراعِ يُجيلُ منْ خطّيِّها
سُمَّ العِدَى ومَفاتِحَ الأرْزاقِ
قُضْبٌ ذَوابِلُ مُثْمِراتٌ بالمُنَى
وأراقِمٌ ينْفُثْنَ بالتّرْياقِ
مَنْ للرِّقاعِ الحُمْرِ يجْمَعُ حُسْنُها
خَجَل الخُدودِ وصِبْغةَ الأحْداقِ
تغْتالُ أحْشاءَ العَدوِّ كأنّها
صَفَحاتُ دامِيَةِ الغِرارِ رِقاقِ
وتَهُزُّ أعْطافَ الوَليِّ كأنّها
راحٌ مُشَعْشَعَةٌ براحَةِ ساقِي
مَنْ للفُنونِ يُجيلُ في مَيْدانِها
خيْلَ البَيانِ كريمَةَ الأعْراقِ
مَنْ للحقائِقِ أبْهمَتْ أبْوابُها
للنّاسِ يفْتَحُها علَى استِغْلاقِ
مَنْ للمَساعي الغُرِّ تقصِدُ جاهَهُ
حرَماً فينْصُرُها علَى الإخْفاقِ
كمْ شدّ منْ عقدٍ وَثيقٍ حُكْمُهُ
في اللهِ أو أفْتى بحلِّ وِثاقِ
رحْبُ الذِّراعِ لكُلِّ خطْبٍ فادِحٍ
أعْيَتْ رِياضَتُهُ علَى الحُذّاقِ
صعْبُ المَقادَةِ في الهَوادةِ والهَوى
سهْلٌ علَى العافِينَ والطُّرّاقِ
ركِبَ الطّريقَ الى الجِنانِ وحورُه
يَلْقَيْنَهُ بتَصافُحٍ وعِناقِ
فأعْجَبْ لأنْسٍ في مظنّةِ وحْشَةٍ
ومَقام وصْلٍ في مَقامِ فِراقِ
أمُطَيَّباً بمَحامِدِ العَمَلِ الرِّضا
ومُكَفّناً بمَكارِمِ الأخْلاقِ
ما كُنْتُ أحسَبُ قبْلَ نعْشِكَ أنْ أرَى
رَضْوَى نَسيرُ بهِ على الأعْناقِ
ما كُنْتُ أحسَبُ قبْلَ دَفْنِكَ في الثّرَى
أنّ اللّحودَ خَزائِنُ الأعْلاقِ
يا كوْكَبَ الهُدَى الذي منْ بعْدِه
ركَدَ الظّلامُ بهذِهِ الآفاقِ
يا واحِداً مهْما جرَى في حلْبَةٍ
جَلّى بغُرّةِ سابِقِ السّبّاقِ
يا ثاوِياً بطْنَ الضّريحِ وذكْرُهُ
أبَداً رَفيقُ رَكائِبٍ ورِفاقِ
يا غوْثَ مَنْ وصَلَ الصّريخَ فلمْ يجِدْ
في الأرْضِ منْ وزَرٍ ولا مِنْ واقِي
ما كُنتَ إلا دِيمَة مَنْشورَةً
منْ غيْرِ إرْعادٍ ولا إبْراقِ
ما كُنتَ إلا روْضَةً ممْطورَةً
ما شِئْتَ منْ ثمَرٍ ومِنْ أوْراقِ
يا مُزْمِعاً عنّا العَشيَّ رِكابَهُ
هَلاّ لبِثْتَ ولوْ بقَدْرِ فُواقِ
رِفْقاً أبانَا جَلّ ما حمّلْتَنا
لا تنْسَ فينَا عادَةَ الإشْفاقِ
واسْمَح ولوْ بمَزارِ لُقْيا في الكَرَى
تُبْقِي بِها منّا علَى الأرْماقِ
وإذا اللّقاءُ تصرّمَتْ أسْبابُهُ
كانَ الخَيالُ تَعِلّةَ المُشْتاقِ
عَجَباً لنَفْسٍ ودّعَتْكَ وأيْقَنَتْ
أنْ ليسَ بعْدَ نَواكَ يوْمَ تَلاقِي
ما عُذْرُها إنْ لمْ تُقاسِمْكَ الرّدَى
في فضْلِ كأسٍ قدْ شرِبْتَ دِهاقِ
إنْ قصّرَتْ أجْفانُنا عنْ أنْ تُرَى
تَبْكي النّجيعَ علَيْكَ باستِحْقاقِ
واستُوقِفَتْ دَهَشاً فإنّ قُلوبَنا
نهَضَتْ بكُلّ وظيفَةِ الآماقِ
ثِقْ بالوَفاءِ علَى المَدى في فِتْيَةٍ
بكَ تقْتَدي في العَهْدِ والمِيثاقِ
سجَعَتْ بِما طوّقْتَها منْ مِنّةٍ
حتّى زَرَتْ بحَمائِمِ الأطْواقِ
تَبْكي فراقَكَ خَلْوَةً عمّرْتَها
بالذِّكْرِ في طَفَلٍ وفي إشْراقِ
أمّا الثّناءُ علَى عُلاكَ فذائِعٌ
قدْ صحّ بالإجْماعِ والإصْفاقِ
واللهُ قدْ قرَنَ الثّناءَ بأرْضِهِ
بثَنائِهِ منْ فوْقِ سَبْعِ طِباقِ
جادَتْ ضريحَكَ ديمَةٌ هطّالَةٌ
تبْكي علَيْكَ بواكِفٍ رَقْراقِ
وتغَمّدَتْكَ منَ الإلاهِ سَعادَةٌ
تسْمو بروحِكَ للمَحَلِّ الرّاقي
صبْراً بنِي الجَبّابِ إنّ فَقيدكُمْ
سيُسَرُّ مَقْدَمُهُ بِما هوَ لاقِي
وإذا الأسَى لفَحَ القُلوبَ أُوارُهُ
فالصّبْرُ والتّسْليمُ أيّ رِواقِ