أَلا لا أَرى كَالدارِ بِالزُرقِ مَوقِفاً
وَلا مِثلَ شَوقٍ هَيَّجَتهُ عُهودُها
عَشيَّةَ أَثني الدَمعَ طَورا وَتارَة
يُصادِفُ جَنبي لِحيَتي فَيَجودُها
وَما يَسفَحُ العَينَينِ مِن رَسمِ دِمنَةٍ
عَفَتها اللَيالي نَحسُها وَسُعودُها
وَأَملى عَلَيها الدَهرُ حَتّى تَرَبَّعَت
بِها الخُنسُ آجالُ المَها وَفَريُدها
لَقَد كُنتُ أُخفي حُبَّ مَيٍّ وَذِكرُها
رَسيسُ الهَوى حَتّى كَأَن لا أُريدُها
كَما كُنتُ أَطوي النَفسَ عَن أُمِّ سالِمٍ
وَجاراتِها حَتّى كَأَن لا أُهيدُها
إِذا أَعرَضَت بِالرَملِ أَدمآءُ عَوهَجٌ
لَنا قُلتُ هَذي عَينُ مَيٍّ وَجيدُها
فَما زالَ يَغلو حُبُّ مَيَّةَ عِندَنا
وَيَزدادُ حَتّى لَم نَجِد ما يَزيدُها
إِذا اللَامِعاتُ الِبيضُ أَعرَضنَ دوَنها
تَقارَبَ لي مِن حُبِّ مَيٍّ بَعيدُها
تَذَكَّرتُ مَيّا بَعدَ ما حالَ دوَنها
سُهوبٌ تَرامى بِالمَراسيلِ بيدُها
وَصَحبي عَلى أَكوارِ شُدقِ رَمَت بِها
طَرآئفُ حاجاتِ الفَتى وَتَليدُها
تَغالى بِأَيديها إِذا زَجَلَت بِها
سُرى الَليلِ وَاِصطَفَّت بِخَرقٍ خُدودُها
وَقَادت قِلاصَ الرَكبِ وَجنآءُ حُرَّةٌ
وَسوجٌ إِذا اِنضَمَّت حَشاها قُتودُها
ضَنينَةُ جَفنِ العَينِ بِالمآءِ كُلَّما
تَضَرَّجَ مِن هَجمِ الهَواجِرِ جيدُها
كَأَنَّ الدَبى الكُتفانَ يَكسو بُصاقَهُ
عَلابيّ حُرجوج طَويلٍ وَريدُها
إِذا حَرَّمَ القَيلولَةَ الخِمسُ وَاِرتَقَت
عَلى رَأسِها شَمسٌ طَويلٌ رُكودُها
أَلا قَبَحَ اللَهُ اِمرَأَ الَقيسِ إِنَّها
كَثيرٌ مَخازيها قَليلٌ عَديدُها
فَما أَحرَزَت أَيدي اِمرِئِ الَقيسِ خَصلَة
مِنَ الخَيرِ إِلّا خَصلَةً تَستَفيدُها
تُضامُ اِمرُؤُ القَيسِ بنُ لُؤمٍ حُقوقَها
وَتَرضى وَلا يُدعى لِحُكمٍ عَميدُها
وَما اِنتُظِرَت غُيّابُها لِعَظيمَةٍ
وَلا اِستُؤمِرَت في جُلِّ أَمرٍ شُهودُها
وَأَمثَلُ أَخلاقِ اِمرِئِ القَيسِ أَنَّها
صِلابٌ عَلى طولِ الهَوانِ جُلودُها
لَهُم مَجلِسٌ صُهبُ الِسبالِ أَذِلَّةٌ
سَواسَيةٌ أَحرارُها وَعَبيدُها
إِذا أَجدَبَت أَرضُ اِمرِئِ القَيسِ أَمسَكَت
قُراها وَكانَت عادَةً تَستَعيدُها
تَشِبُّ عَذاريها عَلى شَرِّ عادَة
وَبِاللُؤمِ كُلِّ اللُؤمِ يُغذى وَليدُها
إِذا مَرِئياتٌ حَلَلنَ ببِلَدَة
مِنَ الأَرضِ لَم يَصلُح طَهوراً صَعيدُها
إِذا مَرَئيُّ باعَ بِالكَسرِ بِنتَهُ
فَما رَبِحَت كَفُّ اِمرِئ يَستَفيدُها
أَحينَ مَلأتُ الأرضَ هَدراً وَأَطرَقَت
مَخافَةَ ضَغمي جِنُّها وَأُسودُها
عَوى مَرَئيٌّ لي فَعَصَّبتُ رَأسَهُ
عِصابَةَ خِزي لَيسَ يَبلى جَديُدها
قَرَعتُ بِكَذّان اِمرِئ القَيس لابَة
صَفاةً يُنَزّي بِالمَرادي حُيودُها
بَني دَوأَبٍ شَرِّ المُضلّينَ عُصبَةً
إِذا ذُكِّرَت أَحسابُها وَجُدودُها
أَهَبتُم بِوِردٍ لَم تُطيقوا ذِيادَهُ
وَقَد يَحشِدُ الأَورادَ مَن لا يَذودُها
فَأَصبَحتُ أَرميكُم بِكُلِّ غَريبَةٍ
تُجِدُّ اللَيالي عارَها وَتَزيدُها
قَوافٍ كَشامِ الوَجهِ باقٍ حِبارُها
إِذا أُرسِلَت لَم يُثنَ يَوماً شَرودُها
تَوافى بِها الرُكبانُ في كُلِّ مَوسمِ
وَيَحلو بِأَفواهِ الرواةِ نَشيدُها
مَنَعنا سَنامَ الأَرضِ بِالخَيلِ وَالقَنا
وَأَنتُم خَنازيرُ القُرى وَقُرودُها
إِذا حُلَّ بيتي في الرِبابِ رَأَيتَني
بِرابيَة صَعب عَلَيكَ صُعودُها
كَسا اللُؤمُ اِمرِئِ القَيسِ كُهبَةً
أُضِرَّ بِها بِيضُ الوجوهِ وَسودُها