مَن كان فوق سَراةِ المجدِ مُعتلِياً
مِن أين يَغْشاهُ صَرْفُ الدَّهرِ معتَرِيا
يا مُشتكَي كُلِّ حُرٍّ رابَه زَمنٌ
لا روَّع الحُرَّ أن يَلقاكَ مُشتكيا
إنّ العُلا صَعبةٌ أعيى تَسنُّمها
وما بَرِحْتَ لها في الدّهرِ ممتَطيا
قالوا قد اختلَفتْ منه الخُطا خطأً
فقلتُ حاشا العُلا ما خَطْوهُ خَطيا
قُلْ رام في دَرَجٍ للقَصْرِ مُنحَدِراً
وكانَ في درَجٍ للمجد مُرْتَقيا
فلم تُطِقْ في زمانٍ واحدٍ قَدَمٌ
إن كان مُستَفِلاً فيه ومُعتَليا
ألا فدُمْ لثنايا المَجْدِ تَطلُعها
فمِثلُ سَعيِك في العَلْياء ما سُعيا
لازِلتَ في بُردةٍ للعَيشِ ضافيةٍ
تُفْني عِداك وتَبْقَى الدَّهرَ ما بَقِيا
على المَجرّةِ جَرّارُ الذيُّول لها
والثُّريّا لنَعْلِ الفَخرِ مُحتذِيا
يا ماجداً لو قَضَوْا حقّاً لأخمصِه
لم يَعْدُ في النّاس بالأحْداقِ أن وُقيا
لو يَفرُشُ النّاسُ ديباجَ الخدودِ له
ما كان إلاّ أقَلُّ الحقِّ قد قُضيا
أكرِمْ بغُصْنِ ندىً مالَ الثّمارُ به
حتّى أَرَينَك منه العِطْفَ مُنثنيا
نأى عُلُوّاً أو أدناهُ تَكرُّمُه
مِن كَفِّ مَن يَجْتني منه ليَجْتنيا
وزعزعتْه رِياحُ الأريحيّةِ إذ
مَدَّ المُلمَّ إليه الكَفَّ مُجتديا
ماذا يَقولُ حَسودٌ أن تَزلَّ له
نَعْلٌ بها مَنْكِبُ الجَوزاءِ قد وُطيا
إن زَلَّ نَعْلٌ فيأْبَى أن يَزِلَّ به
جَدٌّ له في المعالي طالما رَقيا
في كُلِّ يومً خطابٌ للخُطوبِ معي
فيمَنْ أَكونُ له بالنّفْسِ مُفْتَدِيا
بُليتُ بالدّهرِ تَعْروني حَوادثُه
والدَّهرُ أيضاً بصَبْري فيه قد بُليا
يا غُربةً أغْرَبتْ لي في عَجائِبها
وبَيّتتْني بنارِ الهَمِّ مُصْطَليا
قد مَرَّ بي فيك ما مِنّي بأيْسَرِهِ
قدِ اشْتَفَى زَمني إن كان مُشتفيا
قلبي مُقيمٌ بأرضٍ لا يُفارِقُها
هوىً ونِضْوي إلى أقصى المدَى حُديا
كأنّني فَتْحُ بَركارٍ لدائرةٍ
أضحَى المُديرُ بتَسْديدٍ له عُنيا
فشَطْرُه في مكانٍ غيرِ بَارحِه
وشَطرُه يَمسَحُ الأطرافَ مُرتميا
قد كان نِضْوي بباقي البِيدِ آونةً
حتّى وَصلْنا فأفناها وقد فَنِيا
لولا العدا والعَوادي كنتُ ذا وطنٍ
بكَسرةٍ وبكِسْرٍ فيه مُكتَفيا
حَتّامَ سَيْري إلى دُنْياي مُعتَسفاً
هل آن سَيْري إلى عُقْبايَ مُنْزَويا
أمَا تَراني لظَهْري داعِماً بِيَدي
إذا مشيتُ ولو قارَبْتُ خُطْوتيا
هل بعدَ إصباحِ لَيلِ الرّأسِ من عُذُرٍ
ألا أرَى هادياً للسُّبْلِ مُهْتَديا
هَبِ السَّوادَ الّذي أبلَيتُ كنتُ له
مُجَدِّداً بِبَياضٍ بَعْده غَشِيا
هل من لباسٍ سوى غَبراءَ مُظلمةٍ
إذا البياضُ الّذي جَدَّدْتُه بَلِيا
وقد علَتْ غُبرةُ الشَّيبِ الشَّبيبةَ لي
فبِتُّ للأجَلِ المكْتوبِ مُكْتَليا
كتابُ عُمْري اللّيالي تَرّبتْه وما
أدنَى المُترَّبَ أن تَلْقاه مُنْطَويا
أبتْ دَريئةُ لَهْوٍ أن يكونَ لها
إصابةٌ بقَنا قَدٍّ إذا حُنِيا
أنا ابْنُ دَهرٍ جَفاني فيه كلُّ أخٍ
إلى بُنوَّته قد راحَ مُنْتَميا
أمّا الكِبارُ فما يَخْفَى جَفاؤهمُ
ولم أكنْ لصِغارِ النّاسِ مُرتَجيا
لكنْ جَميعُ ذنوبِ الدَّهرِ مُغْتَفَرٌ
وعن صَحيفةِ قلبي ذِكرُها مُحِيا
صَفْحُ الزّمانِ له عن عَثْرةٍ بدَرَتْ
بالصَّفْحِ عن عَثَراتِ الدَّهْرِ قد جُزيا
أقالَ حتّى أقَلْنا مقتدينَ به
ولم أكنْ قبلَها بالدَّهْرِ مُقتَديا
مَن كان يَبْرأُ من ذَمّي له زَمني
فقد بَرِئتُ من الشَّكْوى وقد بَرِيا
سلامةٌ سَلمَ المُلكُ العقيمُ بها
وأوجبَتْ شُكرَ دَهْرٍ طالما شُكيا
فقُلْ لدَهْرك يَستأنِفْ له عَمَلاً
فعَن مَواضيهِ مُذْ عوفيتَ قد عُفيا
يا مَن به تَحفَظُ الدُّولاتُ صِحَّتَها
إذا شُفِيتَ فقلْ كلُّ الورى شُفيا
لولا ذِمامٌ للدّهْرِ أنت عاقِدُه
ما كنتُ عن ذمّهِ ما عشْتُ مُنْتَهيا
أصْبحتَ للدّهر عُذراً صادقاً فغَدا
لذكْرِه كلُّ ذنبٍ سابقٍ نُسيا
فخُذْ إليك الّذي لا أرتَضيه وإن
أصبحْتَ من كرمِ الأخلاقِ مُرتَضيا
إنّي لَمِنْ سالفِ التّقصير مُعتَذِرٌ
بما يُضاعِفُ تَخْجيلي إذا تُليا
وكيف أَغدو منَ التّقصيرِ مُعتذِراً
ونَفْسُ عُذْريَ تَقصيرٌ إذا رُئيا
يا كاملاً فيه أشتاتُ العُلا جُمعَتْ
فراحَ للفَضْلِ والإفضالِ مُحتويا
مازال مِن لينِ أخلاق كرُمْنَ لَه
لفاسدٍ الخِلّ بالإصلاحِ مُعْتَنيا
مهما اعتذَرْتُ بعُذْرٍ لي أكونُ له
في النّاسِ مطرِقَ طَرْفِ العين مستَحيا
أخذْتَ عذْريَ مُعوَجّاً وتَعرِضُه
على الورى مُستقيماً حيثُما اجْتُليا
كالشّمعِ يَقبلُ نقْشَ الفَصّ مُنعكساً
مَكتوبهُ ليُريهِ النّاسَ مُسْتَويا
شِعْرِي وأنتَ له الرّاوي لرفعتِه
شِعْرَى وشِعرِيَ شِعْرَى حيثُما رُويا
والبَحرُ يَلفِظُ دُرّاً كان واقِعُه
في أُذْنِ أصنافهِ قَطْراً إذا وُعيا
حَبٌّ لمُزْنٍ غَدا حَبّاً بلُجّته
ودُرُّ سُحْبِ غدا دُرّاً كما حُكِيا
فالبَحرُ أَنت لعَمْري من نُهىً وندىً
إذا طلَعْتَ لنا في الحَيِّ مُنتَدِيا
كأنّما أنت من حِلْمٍ ومن كرمٍ
طَودٌ بجودٍ غدا للسُّحْبِ مُرتَديا
إسْعَدْ بجَدِّ الزّمان أنت غُرّتُه
بأيِّ حَظٍّ كبيرٍ منْك قد حَظيا
تَنظَّمَتْ لك ملْء الدّهرِ واتّصلَتْ
مَحاسنٌ قُبحُهُ في حُسْنِها خَفيا
إنّ المَعالي لَحَلْيٌ أنت لابسُه
لكنْ زمانُك تَطفيلاً به حَليا
والجِيدُ لا يَكْتسي العِقدَ النَظيمَ له
في الحَلْيِ حتّى يكونَ السِّلكُ مكتَسِيا
يا مُبدعَ القَولِ مَبْسوطاً ومُخَتصراً
ومُحسِنَ الفِعلِ مُعتاداً ومُبْتَديا
لمّا غدا حَسناً ما أنت فاعِلُه
قُلنا بفِعلكِ قد أصبَحْتَ مكتَنيا
إذا أردتَ إلى سَعدِ الوَرى نَظَراً
فكنْ لوَجْهِك في المِرآةِ مُجتليا
وإنْ دَجا ليلُ خطبٍ لا صباحَ له
فكنْ لرأيك في داجِيه مُنتَضيا
تابَ النَّصوحُ إليك الدّهرَ من زَلَلٍ
منه تَقَدَّمَ لمّا جارَ مُعتَديا
والنَصرُ مازال رَبُّ العَرْشِ ضامِنَه
لِمنْ عليه بلا اسْتحقاقِه بُغياً
فِداؤه مَن مع التَّقْصيرِ عنه غَدا
بَغْياً لرُتْبته العَلْياء مُبْتَغِيا
قد كان تَقْديمُهمْ إيّاهُ مقتَرِباً
وكان إعدادُهمْ إيّاكَ مُنتَسيا
كالسَّهْم قَرَّبَه رامٍ ليُبْعِدَه
والسّيفِ يَقْرُبُه حامٍ ليَنْتضيا
فَلْيَهنأ النّاسَ عَوْدٌ من أخي كرمٍ
عُداتُه اليومَ تَرجو كلَّ من خُشيا
عادتْ إلى حضرةِ السُّلطانِ طَلعتُه
والجَفْنُ لم يَفترِقْ إلاّ لَيلْتقيا
وأتلفَ المُقتنَى جُوداً فأخلفَه
والغُصْنُ لا يَكْتسي إلاّ إذا عَريا
فدام للدّولةِ الغَرّاءِ مُعتَمَداً
مُسدَّداً رائحاً بالنُّصْح مُغْتديا
فهْو الّذي لم يزَلْ للمجدِ مُبتَنيا
طَوْعَ المكارمِ أو للحَمْدِ مُقْتنيا
له من اللُّطْفِ أنفاسٌ إذا نفحَتْ
رَميمَ عظْمٍ رَجاءً للفتَى حَييا
قد كان حتّى أماطَ اللهُ عارِضَه
مريضُ قلبي منَ الأطرافِ مُحتَميا
فلْتَفدِه من خُطوبِ الدّهرِ نازلةً
حُشاشتي وهو أَولَى من بها فُدِيا
فهْو المُقرِّبُ أغراضي إذا بَعُدَتْ
وهْو المُجيبُ إلى نَصْري إذا دُعيا
وكاشحٌ صَدرُه مَلآنُ من غُلَلٍ
فلو سقَوْهُ بحارَ الأرضِ ما رَويا
يُبْقيهِ حِلْمٌ ستُغْنيهِ مَغبّتُه
كم سقْطِ جَهْلٍ به زَنْدُ الحِجاوَريا